العالم الإسلامي في الاستراتيجيات العالمية المعاصرة هذا الكتاب يهم كل مسلم.
هناك ضغوط دولية مدروسة ضد العالم الإسلامي
على المسلمين أن يستثمروا أموالهم في بلادهم. من أحدث إصدارات مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي في فرنسا كتاب (العالم الإسلامي في الاستراتيجيات العالمية المعاصرة) للدكتور علاء طاهر الخبير الاستراتيجي في شؤون الشرق الأوسط (مركز الفلسفة الاستراتيجية) في باريس· ويتكون الكتاب من أحد عشر فصلاً دونت في 257صفحة من القطع المتوسط·
وقد نحت هذه الدراسة التي يقدمها مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي في منهجها منحيين: قياس وضع العالم الإسلامي الراهن بكل أبعاده وإشكالياته الحركية القابلة للتطور·
والثاني هو اتجاه دراسة الحضارات والقوى الكبرى وفق (ديناميكية) الحقبة المعاصرة وليس الحقبة التاريخية الماضية· إذاً فهذا الكتاب ليس دراسة تاريخية زمنية لبلدان العالم الإسلامي في العصر الحديث، بل هو بحث يُخضع التاريخ الحديث للعالم الإسلامي وشعوبه وتطورهما السياسيين وعلاقتهما الدولية للمنظور الاستراتيجي ـ التحليلي الذي يأخذ بنظر الاعتبار السرد التاريخي للمراحل السياسية المتعاقبة للبلدان الإسلامية عبر إعادة بناء المحتوى التاريخي للأحداث· ويتم هذا المنظور التحليلي الجديد داخل الفضاء الكلي (لديناميكية) العلاقات الدولية وتغيرها وفق قوة أو ضعف القوى الكبرى سواء الكلاسيكية منها أو الجديدة الناهضة حديثاً·
وكما ذكر الكاتب في الملزمة الأولى، فإن هذا الكتاب يهدف إلى الإجابة على سؤال محدد هو: هل يمكن للبلدان الإسلامية، من خلال واقعها الآني، أن تكوِّن مستقبلاً وكياناً دولياً أو الأبعد من ذلك، أن تكون قوة دولية جديدة توازي في عناصرها التكوينية القوى الدولية الكبرى الموجودة حالياً؟·
هذه الدراسة توزعت على ثلاثة اتجاهات محورية هي:
1ـ تأسيس لوضع تعريف دقيق لمفهوم العالم الإسلامي بكل أبعاده:( الجغرافية، السياسية، الحضارية، (الديموغرافية، الجيوبوليتيكية، الجيوستراتيجية)، فإن تعبير العالم الإسلامي قد انتشر استعماله بشكل واسع دون أن يحظى بتحديد (سيمونتيكي) للكلمة ودلالاتها الثبوتية أو المتغيرة على الرغم من أنه عالم قائم بالفعل ضمن خصوصية مستقلة بدأت تعمق كيانها السياسي الاستقلالي خلال السنوات الأخيرة وتظهر على الساحات الدولية ـ بشكل ذاتي حثيث من ناحية، وبشكل خارجي من ناحية أخرى، ـ منظوراً إليها من قبل القوى الكبرى المعاصرة· ويتناول البحث العالم الإسلامي من الناحية الجغرافية، فتعبير (العالم الإسلامي) يمكن تجزئة دلالته، فهو مفهوم يمكن حصره في حدود دلالة محددة كلياً تارة، أو يمكن توسيع المجال الدلالي للمصطلح نفسه تارة أخرى حيث يتخذ دلالات عدة محددة كل منها قائم بذاته أو محصور ضمن محتواه التقني، والتي تشكل عبر ارتباطها العضوي في منظومة واحدة المحتوى العام للمفهوم الذي يُراد بحثه·
ومفهوم (العالم الإسلامي) هو مفهوم ذو دلالة عامة تضم في محتواها الداخلي أبعاداً عدة، فإن مفرد (عالم) تعني أن هناك وعاء مكانياً يتمثل في الرقعة الجغرافية التي يمتد عليها هذا (العالم) دون تحديد خصوصياتها الأخرى· ومفرد (إسلامي) تعني أن هناك سمة فكرية يتسم بها هذا (العالم) الممتد على رقعة جغرافية:
لكن هذه السمة الفكرية لا تعني ثقافة فكرية محددة وموقتة بلحظة راهنة مثل التيارات الفكرية أو الثقافية التي تنشأ خلال العصر الحديث أو خلال زمن ماض، بشكل موقت وعبر زمن يتطلبه الواقع الخاص الذي تنشأ فيه ثم تختفي بعد ذلك باختفاء المتطلبات الموقتة أو الراهنة، بل تعني سمة فكرية متجذرة داخل الواقع ومتسمة بشكل دائم داخل الزمن الآني والمستقبلي·
إن مفهوم (إسلامي) هنا مع كونه مفهوماً فكرياً، لكنه فكري ديني في وقت واحد، أي أنه لا يتخذ صفة الظاهرة الفكرية الموقتة، بل صفة البعد التاريخي الحضاري العميق لأنه دين، فهو رسالة سماوية خالدة متكاملة جاءت من لدن حكيم عليم امتدت منذ نزولها على محمد حتى اللحظة التاريخية الراهنة، ويمتد مفعولها التأثيري الشامل على رقعة بشرية كبيرة كوَّنت لها أسساً حضارية تراكمت ثقافياً عبر الزمن لتكوِّن في النهاية خصوصية دينية ـ حضارية ثقافية وتقاليد سلوكية في آن واحد·
إن التطور الحديث للدول قد أخضع العامل الجغرافي الطبيعي، وكأنه حيز مكاني مفتوح، لنمط من التحديد السياسي والارتباط بتقسيمات انبثقت عن تطور العلاقات الدولية والقوانين الدولية وأنشطة المنظمات الدولية ومدى تأثيرها· وهنا خضع الحيز الجغرافي للضرورة السياسية العالمية وللقسريات الخاصة إلى (ديناميكية) العلاقات والولادات الدولية· ومن هنا ينبثق مفهوم آخر يتعدى الحد الجغرافي المحايد، أي مجال الامتداد على رقعة جغرافية طبيعية إلى حدود سياسية تحدد الامتداد الطبيعي· عندها يتكون مفهوم جديد آخر ذو صفة حصرية وجزئية هو (العالم الإسلامي كمفهوم جيوبوليتكي جغروسياسي)·
إن العالم الإسلامي هو العالم الوحيد من بين العوالم الحضارية الأخرى الذي يمتلك ميزات تؤهله أن يكون قوة استراتيجية مستقبلية تقف في المستوى الفاعل السياسي والعسكري فهو عالمياً مع القوى العالمية المعاصرة، إلا أن هذه الطاقة الكامنة لم تستغل بعد، فجغرافياً يمتد العالم الإسلامي على ثلاث قارات، فهو كيان قاري يتجاوز في أهميته (الجيوبوليتيكة) الكيانات الدولية الأخرى للقوى العظمى الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، هذه القوى التي تمتد على مدى قاري أحادي البعد·
أما على الصعيد >الديموغرافي< فإن عدد المسلمين في العالم يبلغ حالياً نحو المليار نسمة، وهذا ما يجعل وجودهم السكاني يجاوز الرقعة الجغرافية للمساحة الأرضية التي يقطنون عليها، ويمتد هذا الكيان إلى قارات أخرى كأقليات دينية مهمة، يبلغ تعدادها عشرات الملايين، قادرة على خلق كيان ثقافي سياسي مستقل داخل أوروبا وأميركا اللاتينية وداخل الحضارات الآسيوية المعاصرة· وعلى الصعيد الاقتصادي يمتلك العالم الإسلامي أضخم ثروة بترولية وزراعية مقارنة بكل الكيانات الدولية الأخرى، حيث يستطيع التحكم سياسياً في العالم عبر قوته الاقتصادية مع تحقيق فائض ذاتي على مستوى الشعوب التي تتوزع على كيانه القاري·
2 ـ دراسة اهتمام القوى الكبرى بالعالم الإسلامي منذ مطلع العصر الحديث وحتى الآن وضع العالم الإسلامي ضمن حسابات وخطط الاستراتيجية المعاصرة، مع رصد محطتين رئيستين للاهتمام العالمي بالعالم الإسلامي، الأولى بدأت مع بداية تطور واتساع حركة الاستعمار الأوروبي الحديث في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر، ثم امتدت حتى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية·
والمرحلة الثانية بدأت بكثافة أكثر ووفق نمط جديد من المواجهة السياسية والدبلوماسية وذلك مع قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979م·
فبعد هذاا لتطور الجديد انبثقت استراتيجيات من قبل الدول الكبرى المعاصرة تأخذ بحسبانها العالم الإسلامي ككيان سياسي ـ عسكري قابل للنهوض مستقبلاً، وبدأت تبني استراتيجيات جديدة لمواجهته·
إن هذه القدرة الواقعية المميزة دولياً تعرَّضت عبر القرون الأربعة الأخيرة إلى سلسلة من الاحتلالات الأجنبية من قبل قوى سياسية حضارية تختلف دينياً وعرقياً ولغوياً عن العالم الإسلامي إلا أنها هيمنت على العالم عبر أربعة قرون بفضل تطور تكنولوجي تراكمي كثيف حقق لها السيادة التامة على بقية الكيانات الجغرافية الحضارية· وقد ازدادات هذه الهيمنة في العصر الحديث تجاه العالم الإسلامي وبلدانه خصوصاً· والسبب إدراك الإدارات الاستعمارية، ومخططي السياسات البعيدة الأمد من الاستراتيجيين الديبلوماسيين والعسكريين، وحيث إن هذه الاستراتيجيات الغربية تعني عقلانية أكثر خلال القرن العشرين وهذا ما يجعلها أن تدرس الخطوة الفعلية التي يمكن أن تهدد سيادتها والتي ستأتي من العالم الإسلامي في حال تفوق هذا الكيان الجغرافي والحضاري عليها بامتلاكه مصادر واقعية تؤهله لأن يكون قوة دولية تسود وتتحكم بالقوى الدولية الأخرى المعاصرة·
ومن هنا تصاعد الضغط السياسي العسكري تجاه الشعوب الإسلامية بشكل متواصل، وظهر وعي ديني معاصر جديد داخل العالم الإسلامي تحول إلى وعي سياسي ومن ثمَّ أخذ يقاوم الهيمنات الغربية على أساس ديني لتحقيق التحرر من هيمنة الحضارات الغربية المعاصرة·
ومن هنا ومنذ مطلع القرن العشرين وحتى اللحظة الراهنة تصاعدت نشاطات الاستراتيجيات الاستعمارية المعاصرة بشكل أكثر فاعلية وأقل مباشرة في البدء، حتى ظهور النهضة الإسلامية الثانية إثر تراجع وانهيار الحكومات القومية الاشتراكية داخل العالم العربي والإسلامي·
وكانت آخر مواجهات الصراع العنيفة العنية هي حرب الخليج الثانية التي بدا فيها العالم الإسلامي وقد جرد من قوى فاعلة فيه وأصبح مفككاً أكثر من أي وقت مضى داخل الإطار الزمني الخاص باللحظة المعاصرة من التاريخ·
وفي هذا الإطار الذي بدا ضعيفاً على الصعيد الخارجي العام كانت المجتمعات الإسلامية تعيد بناء توازناتها داخل قوى غير منظورة لا تتعلق بالحكومات، بل بالشعوب الإسلامية· فإن ما يسمى (بالصحوة الإسلامية) على صعيد الأنظمة السياسية قد أخذ يعبِّر عن نفسه بشكل قوي داخل ظاهرة عامة من العودة إلى الهوية الدينية عند شعوب العالم الإسلامي·
وقد بدأت كراهية جماعية عند الشعوب الإسلامية لكل ما هو غربي بعد أن اجتازت المجتمعات الإسلامية مرحلة انبهار كبير بالثقافة الغربية المعاصرة ولا سيما خلال نصف القرن الأخير وحتى سنوات الثمانينيات فإن الثورة الإيرانية قد جاءت كرد فعل على سياسة التحديث التي اتبعها الشاه، وقد امتدت هذه الموجة إلى بعض البلدان الإسلامية الأخرى بما فيها بعض البلدان العربية ذات الأنظمة غير الإسلامية·
أمام هذه الموجة في العودة إلى الهوية الإسلامية بدأت الاستراتيجيات الغربية تتخذ شكلاً مباشراً وعنيفاً في المواجهة لضرب جذر المقاومة الجديدة الذي لم يقتصر على الحكومات هذه المرة، بل على المجتمعات، وهذه المجتمعات هي قطاعات منغلقة على أي استراتيجية غربية خصوصاً بعد انهيار الأنظمة العلمانية التي سمِّيت بأنظمة التحرر الوطني·
وكرد فعل على المواجهة المباشرة، أخذت موجة المقاومة المجتمعية والعودة إلى الهوية الإسلامية تتزايد وليس العكس، لأن المواجهة الغربية المباشرة باتت واضحة وذات أهداف معروفة في الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الشاملة·
إن المواجهة الجديدة المباشرة بين الاستراتيجيات الغربية المعاصرة قد أوضحت أن الأهداف الغربية والاستعمارية قد اختلفت إذ اكتسبت بعداً جديداً، فبعد أن كان هدف الاستراتيجية الاستعمارية محصوراً بالاقتصاد من خلال السيطرة على العالم الإسلامي امتد نحو بعد جديد هو السيطرة الحضارية والصراع الحضاري·
وهنا تصبح مقولات (صدام الحضارات) التي أتى بها >صومئيل هاينتغتون< مقولات لها أهميتها على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى مقولته: إن العصر المقبل سيكون عصر صراع الحضارات· فإن هذه المقولة صيحيحة، وقد بدأت بناها الصراعية تبدأ عينياً وميدانياً منذ الآن ولا سيما عبر الصراع المباشر الذي توجهه القوى العظمى المعاصرة ضد العالم الإسلامي، ثم بدأت العودة الجماعية إلى الهوية الإسلامية لدى شعوب العالم الإسلامي كرد فعل عكسي ومنطقي يواجه الاستراتيجية الغربية المعاصرة·
ومن خلال اتجاه هذا الواقع الجديد يغدو التساؤل مطروحاً، هل يمكن أن تتكون من العالم الإسلامي قوة (جيوستراتيجية) مستقبلية تقف في المستوى نفسه مع القوى العظمى المعاصرة، على الرغم من لحظة الانكسار والتأزم الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم؟
قد يبدو هذا التساؤل طموحاً ومتناقضاً في آن واحد:
طموحاً لأنه يصدر عن واقع يخلو ظاهرياً من عناصر القوة الضرورية التي ينبغي على العالم الإسلامي أن يمتلكها لكي يشكل هذا التكتل الدولي القوي المفترض·
ومتناقضاً لأن توقيت طرحه يتموضع داخل لحظة زمنية تبدو فيها الدول الإسلامية رازحة تحت سلسلة لا متناهية من الضغوط والمشكلات الداخلية التي لا يمكن إيجاد حلول لها في الأمد المنظور·
فداخل هذه البلدان هناك حالياً أزمة نظم سياسية ذات اتجاهات أيديولوجية مختلفة فيما بينها، بل وصراعية في بعض الأحيان· وهنالك مشكلة الأقليات القومية والتعدد العرقي، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والتدني الشديد في مستوى الدخل القومي لبعض البلدان الإسلامية، حيث يصل إلى حدود المجاعة في بعض البلدان، وهنالك الانفجارات (الديموغرافية) غير المسيطر عليها والمتفوقة على المستوى الاقتصادي للدخل الوطني العام··· إضافة إلى أزمات أخرى أكثر شمولاً ضمن واقعها الدولي والتي منها: الأمية، التخلف التعليمي، غياب الخطط الزراعية، تراجع مشاريع التصنيع حيث إن بعض الدول الإسلامية مازال يراوح داخل مرحلة الثورة الصناعية الأولى في اللحظة التي يعيش فيها العالم المتقدم عصر الثورة التكنولوجية الثالثة·
ولكن على الرغم من كل هذا، فالإجابة هي بنعم، إلا أن ذلك سيتطلب مدة زمنية، لكن هذه المدة الزمنية لن تكون طويلة لأن حركة التاريخ المعاصر قد اكتسبت تسريعاً هائلاً بفضل ثورة الاتصالات في تطور الأحداث وتبادل المواقع الحضارية بشكل قد يبدو مفاجئاً في لحظة ما من لحظات التاريخ المعاصر أو من لحظات الخارطة المستقبلية المقبلة·
إن هذه النهضة الآنية التي باتت تقودها المجتمعات الإسلامية أصبحت مفتوحة على الحداثة وعلى إدراك الهدف البعيد المدى للاستراتيجيات الغربية المعاصرة التي أمست مباشرة، وتحضر لضربة جديدة لهذا العالم أكثر عنفاً من السابقة ووفق تكتيك مفتوح·
ومن هنا سيكون على العالم الإسلامي وبشكل (ديناميكي) طبيعي وتلقائي ووفق (الديناميكية) التاريخية نفسها والتكتيك المفتوح نفسه أن يكتشف استراتيجية عامة له للمواجهة تتجاوز الاستراتيجيات السابقة التي أخفقت في تحقيق تأمين تقدم حضاري للشعوب الإسلامية
الخميس يونيو 14, 2012 6:01 pm من طرف 
الْمَشِارَكِات
موضوع: العالم الإسلامي في الاستراتيجيات العالمية المعاصرة 
الْنِّقَاط
احترام قوانين المنتدى
