العهد الجديد وأحداث بدون دلالة اعتبرت سنة 2001 سنة مفصلية في الحياة السياسية المغربية وذلك بإقدام الملك فجأة بعزل وزير الداخلية السابق إدريس البصري ، كخطوة شجاعة وكانت مؤشرات هذا العزل واضحة ليتم التراجع عنها نسبيا خلال السنوات اللاحقة .
خلال هذا العقد من حياة الملك الشاب كانت هناك أحداث لها دلالات في فهم على الأقل التوجه العام لرحلة ملك أراد أن يقود مجموعة من الإصلاحات ولكنها لقيت معارضة شرسة من طرف لوبيات مست مصالحها وشجاعة أقل لدى الملك .
إذا كانت أحداث 16 ماي 2003قد زعزعت مفهوم السلم الاجتماعي وخلقت نوعا من التوتر وعودة قوية لأساليب الماضي وتحكم الهاجس الأمني في المناحي السياسية . فقد كانت اعتقالات أزيد من 3000 معتقل في صفوف الجماعات الإسلامية في المغرب مؤشرا خطيرا على تحول خطير دون أن تقدم الدولة الحجج الدامغة عن مساهمة بعض المعتقلين في تلك الأحداث . كانت الصدمة المخزنية قوية بل انضاف إليها مجموعة من الاختطافات وعودة قوية لسنوات الرصاص . وبدت ملامح العهد الجديد بما عرفه من انفتاح يخفت بريقه وذلك بمحاكمة مجموعة من الجرائد وفرض غرامات خيالية ومتابعة العديد من الصحفيين بتهم المس والإخلال بالاحترام الواجب للملك .
وعرفت المدن المغربية مجموعة من الانتفاضات بكل من صفرو وسيدي ايفني ... والتدخلات القوية لرجال الأمن والسيمي بوحشية دون مراعاة لحقوق الإنسان ومواثيقه الدولية ومتابعة المنتفضين دليلا قاطعا على الردة المخزنية وتحمل الملك النصيب الأكبر باعتباره المسؤول الأول في البلاد .
فقد تدنى المستوى المعيشي للساكنة والغلاء المستشري والذي ساهم في خلق المزيد من الاحتجاجات في مدن مغربية أخرى ... القلعة ، طاطا ، العيون ، الراشيدية ...
وساعدت هذه الأحداث في خلق تنسيقيات للدفاع عما لحق بالرعايا أيام العهد الجديد .
فقد أصبح مفهوم العهد الجديد في ظل هذه الأحداث العنيفة ، المتسمة بالحذر وبتدخلات أمنية قوية ، فارغا من كل محتواه السياسي الذي استعمل فيه لأول مرة وظلت إحالته قوية للعهد القديم ، عهد سنوات الرصاص بكل حمولاتها الدموية والقمعية .
شكلت اعتقالات الدار البيضاء ، سيدي ايفني ، صفرو ...والاعتقالات المتواصلة في حركة المعطلين وفي الإتحاد الوطني لطلبة المغرب كما هو الشأن لطلبة مراكش ، تازة ، مكناس لحظة تأمل قوية في حياة الملك الشاب وفي التحولات الممكنة في عهده .
إمكانية هذه التحولات في استمرار نفس الوجوه القابضة على السلطة بحديد وفي استمرار مفاهيم من العهد البائس ، مفاهيم الاحتراز والهاجس الأمني الطاغية لطرح السؤال : ما الذي غيره الملك الشاب لدى المغاربة وخاصة الفقراء منهم ؟
ظلت نسب الفقر في ازدياد والرشوة في تعاظم والزبونية في تصاعد وسرقة المال العام مباحا وتهريبه أمرا ممكنا وبسيطا وارتفاع وثيرة الهجرة نحو الخارج مستشرية وتراجعات قوية في مجال حرية التعبير . الأكيد أن إصلاحات محمد السادس ومحدوديتها لم تصل إلى فئات عريضة من الشعب المغربي ، خاصة الفئات الأكثر تضررا والأكثر فقرا وحرمانا .
سيقول القائل أننا ننظر للأشياء بعين من السوداوية والحقد الدفين لكن الأكيد أن أحداث سيدي ايفني ومدينة صفرو تركتا ذاك الانطباع القوي أن دار المخزن لا تزال على حالها . وإذا ما أضفنا إليها أحداث قناص تارجيست بكل تفاصيلها سننسى يوما خلال هذا العقد من استعمل لأول مرة مفهوم العهد الجديد ، لأن بنية النظام المخزني العتيق والمتماسك لا تميز بين العهد القديم والعهد الجديد فكل العهود سواسية كأسنان المشط ...
هذه الأحداث تبقى لها دلالاتها الخاصة في وصف المرحلة من جهة وفي وصف شخصية الملك محمد السادس وكيف تعامل معها باعتباره المسؤول الأول في البلاد وما يقع فيها .
وللكلام بقية