عاش المغرب الجمعة على إيقاع انتخابات بلدية عايشت مجموعة من الأحداث ميزتها عن الانتخابات السابقة، من أبرزها وجود الملك، لأول مرة في تاريخ انتخابات بالبلد، خارج البلاد، وإطلاق المرشحين وعودا جعلت هذه الاستحقاقات أهلا لصفة الجنون .
في حين لم تحظَ هذه الانتخابات في الخارج بأي اهتمام يذكر، ولا يبدو ان الدول الأوروبية ستهتم بنتائجها. في الانتخابات السابقة، البلدية أو التشريعية، كان النقاش ينصب على نسبة المشاركة والأصوات التي سيحصل عليها الإسلاميون، لكن هذه المرة، الأمر يختلف، فجل المغاربة متأكدون من أن نسبة المشاركة لن تتعدى 30% في أحسن الأحوال، وحتى بعد وضع رتوشات الماكياج عليها من وزارة الداخلية، كما يقول اليائسون من التغيير والإصلاح.
وقد بدت بوادر هذه النسبة منذ مطلع صباح الجمعة إذ لم يسجل حتى حدود منتصف النهار سوى 12% من نسبة الإقبال، الأمر الذي يوحي بعزوف قياسي. فالمشاركة العادية والمقبولة هي التي تتراوح بين 60 و70 في المئة.
هذا وهناك توقعات بأن لن يحصل الإسلاميون إلا على نسبة لن تتجاوز 10 في المئة، لأنهم لم يعودوا ذلك "البعبع" الذي يخيف والذي تهتم به الدول الأوروبية.
والجديد في هذه الانتخابات أنها تجري لأول مرة والملك خارج البلاد، فهو موجود في زيارة خاصة الى فرنسا منذ نحو شهر. ولم يسبق أن جرت أي استحقاقات في المغرب، منذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، في غيابهما.
ليس الملك وحده هو الغائب، بل ان باقي الأمراء، مولاي رشيد شقيق الملك وابني عميه، الأمير مولاي رشيد ومولاي إسماعيل بدورهم يوجدون في الخارج.
وقال أحد المعلقين السياسيين بمزاج مازح "غياب الملك كل هذه المدة دليل على اطمئنانه على عرشه، عكس الحال في السبعينات عندما كانت المحاولات الانقلابية تلاحق والده دوريا من العسكريين واليساريين.
لكن الحذقين من المغاربة يتندرون بالقول ان الملك حاضر في الانتخابات من خلال صديقه فؤاد علي الهمة رئيس ومؤسس حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي ظهر منذ شهور واستطاع أن يقدم مرشحين أكثر من حزب الاستقلال الذي ظهر منذ ستة عقود من الزمن.
واستطاع حزب الأصالة والمعاصرة أن يمنح هذه الانتخابات بعدا دوليا، ولكن ليس عبر برنامجه السياسي لإنقاذ المغرب من المركز 126 في تصنيف الأمم المتحدة من حيث التنمية البشرية، بل بفضل مرشحته كوثر في قرية أبو قنادل بالقرب من العاصمة الرباط التي نشرت صورة بلباس مكشوف وهي تركب جرارا هو رمز هذا الحزب.
والمفارقة الأخرى أن حزب التقدم والاشتراكية، وهو شيوعي التوجه، قدم سيدة منقبة في قوائم مرشحيه، بينما رشح الاسلاميون سيدات "سافرات".
وسجلت الحملة الانتخابية الكثير من الطرائف، دفعت بجريدة "الصباح" أن تكتب وبعنوان عريض "حصريا في المغرب.. حملة للمجانين" بسبب بعض الوعود غير المنطقية ومن ضمنها تعهد مرشح ببناء قرية أولمبية في مدينة الفقيه بنصالح التي تفتقر حتى للطرق.
ومن الطرائف الأخرى أن مرشحا في قرية من قرى إقليم تطوان شمال المغرب تعهد لناخبيه بربط القرية بـ"السكة الحديدية عبر شبكة المترو مع مدن أخرى"، عاجزا عن التفريق بين القطار والمترو.
وحملت هذه الانتخابات تعزيز سيطرة ما أصبح يعرف بظاهرة "الملوك الصغار" أي رؤساء البلديات الذين حولوا مدنا وقرى كاملة الى إمارات خاصة بهم يتحكمون فيها كما يحلو لهم رغم شكاوى السكان والمجتمع المدني. ويدفع هذا الوضع الجديد بالناس الى التندر ان الملك قد يعود بسرعة من الخارج قبل أن يجد رؤساء البلديات يتقاسمون معه الملك، فالجيش لم يعد يشكل خطرا كما كان في السبعينات بل بعض رؤساء البلديات الذين لا حدود لطموحهم.