إباحة لمس المصحف أو تلاوته للمرأة الحائض أو الجنب إن النص القرآني هو كلام الله المحفوظ بالصدور ، والمتلو بالألسن ، وقد نزل بلغة عربية ، ولم ينزل مخطوطاً في قرطاس من الورق أو غير ذلك من ألواح وصحف ، فكيف نقول لإنسان ( ذكر أو أنثى ) يحفظه في صدره يحرم عليك تلاوته ؟ وإذا كانت التلاوة مباحة، وهي كذلك ، فكيف نقول له يحرم عليك لمس ورق المصحف ؟! فهل القيمة للنص القرآني موجهة للنص ذاته ، أم للورق والحبر ؟! إن القصور الثقافي ، والبُعد عن التفكير الحر ، وعدم التعامل مع النص القرآني بصورة متصلة ، أدى إلى تكرار أقوال من سلف دون التأكد من صحتها أو التفكير فيها ! لقد أخذتها الأجيال أقوالاً مُسَلمة ، وورثوها عن آبائهم ، وأعطوها صفة الدين !! . ورفضوا كل جديد ، بل حكموا عليه بالكفر, وعلى صاحبه بالمروق من الدين ! لقد أصاب الفقه الإسلامي ( الموروث ) الصدأ ، فينبغي صقله وإعادة لمعانه من خلال إزالة الشوائب وما علق به, وإعادة تشكيله مرة ثانية, وفق منظور قرآني وعلمي حسب أدواتنا المعرفية, وبما يلبي احتياجاتنا ويحقق مصالحنا .
فالدليل الذي يعتمد عليه كل من قال بتحريم لمس المصحف هو قوله تعالى:
[لا يمسه إلا المطهرون ] وكعادة فقهاء المسلمين يقومون بعضوضة النص القرآني ، واقتطاع جُمَلٍ أو آيات من سياقها ، وفهمها دون منظومتها التي تنتمي إليها نحو قوله تعالى : [ فويل للمصلين ] أو [ فانكحوا ما طاب لكم من النساء ] !!.
فينبغي إرجاع الآية المعنية بالدراسة إلى سياقها ، وفهمها حسب موقعها من الآيات ضمن منظومة قرآنية متكاملة .
قال تعالى : [ فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ، إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون ، تنزيل من رب العالمين ، أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ]
الواقعة 75-81 إن سورة الواقعة كلها لا تحتوي على أي حكم شرعي أبداً ، وهذه الآيات تتكلم عن عظمة النص القرآني وحفظه ومصدريته الربانية ، وجملة [ لا يَمَسُّهُ إلا المطهرون ] هي جملة خبرية وليست إنشائية ، و أداة ( لا ) هي ( لا ) النافية ، وليست ( لا ) الناهية . مما يدل على عدم تعلقها بالسلوك الإنساني ، وإنما تتحدث عن أمر آخر لا علاقة له بحكم الحرام أو الحلال . والمقصد من الآيات بصورة مختصرة هو :
إن النص القرآني موجود كمدلولات في كتاب مكنون الذي هو الواقع بسننه وقوانينه المستورة عن أعينكم والمحفوظة بحفظ الله لها وتثبيتها [ ولن تجد لسنة الله تبديلا ]
الأحزاب 62 وهذه السنن والقوانين لا يمكن أن يصل إليها أحد [ لا يمسه ] إلا العلماء ذوي التفكير السليم من الشوائب والخرافات ويتمتعون بِصَفاء في الذهن ( إلا المطهرون ) فيضعون أيديهم على حقائق الأمور ، ويعلمون أنه الحق من ربهم فيخشعون ويخشون الله . [ إنما يخشى الله َمن عباده العلماءُ ]
فاطر 28.
فتم ربط النص القرآني كدلالات بالواقع وسننه كمدلولات ، فأخذ النص القرآني صفة وحكم سنن الواقع من حيث الحفظ والتثبيت . فمن يستطع أن يحرف آية الشمس ويغير سنتها في الشروق والغروب ؟! وكذلك آيات القرآن لا يستطيع أحد أن يحرفها ، لأن أي تحريف فيها سرعان ما يظهر بطلانه من خلال اختلاف النص كخطاب مع محله من الواقع ، ويتم العلم أن هذه المقولة ليست من عند الخالق قطعاً
[ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ]
النساء 82. بين الخطاب ومحل الخطاب .
فالنص المعني بالدراسة لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على تحريم لمس المصحف ، وبالتالي لا يشترط الوضوء أو الغسل إلا للصلاة فقط لا غير . وتبقى الأمور الأخرى على البراءة حسب القاعدة[الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص]