التفكير الإيجابي هناك طريقتان للتفكير، وطريقتان لتفسير الأشياء من حولنا، وهذا يؤثر كثيرًا على مشاعرنا وعلى حياتنا وسلوكنا بشكل عام.. فحياتك كلها تتوقف على ما يدور في رأسك، وكيف تدور الأفكار في رأسك؛ لأن أفكارك هي التي تحدّد قراراتك واختياراتك في الحياة، وحتى المشاعر والأمزجة قد تحددها الأفكار.
ينقسم الناس إلى أصحاب أسلوب تفسيري إيجابي، وآخرون إلى أصحاب أسلوب تفسيري سلبي، الدكتور مارتين سليجمان يقسمهم في كتابه "تعلم التفاؤل" إلى أشخاص متفائلين وأشخاص متشائمين.
لا بدَّ وأن جميعنا يعرف أشخاصًا يفكرون بإيجابية، ويلاحظ كيف تسير حياتهم، وأيضًا يرى أشخاصًا سلبيين، وما يترتب على سلبيتهم من ضيق.
حتى نحن حين نتقلب بين مزاج إيجابي وسلبي نلاحظ الفرق في مشاعرنا، ونرى هذا الفرق حولنا أيضًا، فعندما تبدأ صباحك باكرًا بحيوية ونفس منشرحة، بعد ليلة نمت فيها بعمق وأخذت كفايتك من الراحة، وتجد وقتًا كافيًا لتناول فطورك وملاحظة أشعة الشمس وهي تلوح في الأفق، فإنك تشعر بأن كل شيء حولك يبدو مشرقًا، وتدخل على زملائك في العمل بابتسامة صباحية مفعمة بالحيوية، وتبدأ عملك بحماس، تشعر أنك قادر على إنجاز ما كنت تتوقع أنه صعب، وكأن عملك نفسه يساعدك على إنجازه؛ لأنك تريد ذلك.
لكن عندما تبدأ نهارك كَدِرًا، وعابسًا فإنك تشعر أن كل الأمور تعاكسك، وأن كل التفاصيل تناكدك وتغيظك عامدة، وأنك غير قادر على العمل، ولا حتى أبسط الأمور..
فعندما تكون مكدرًا ومتوترًا وتفكر بطريقة سلبية، فإن إدخال المفتاح إلى مكانه في القفل سيستغرق منك وقتًا، علمًا بأنه عمل بسيط ويتم بكل سلاسة عندما تكون هادئًا وفي في مزاج جيد..
لكن هذا المزاج الجيد أو السيِّئ ليس شيئًا خارجًا عن سيطرتنا أو إرادتنا؛ فنحن لنا دور كبير في تحديد مزاجنا، وفي السيطرة على أفكارنا وبالتالي مزاجنا ومشاعرنا، وذلك بالانتباه أكثر إلى الطريقة التي تدور بها الأفكار في رؤوسنا، والطريقة التي نحدِّث بها أنفسنا.
يقول مارتين سليجمان: "الاكتئاب ينتج عن عادات في أسلوب التفكير الواعي تمارس على مدار حياة الفرد، فلو أننا استطعنا تغيير عادات التفكير هذه لشفي المريض من حالة الاكتئاب التي يعانيها."
وكذلك "توصل فريق من علماء النفس الأمريكيين إلى أن الأشخاص المنشرحي البال المتفائلين في نظرتهم إلى التقدُّم في السن يعيشون لمدة أطول من أقرانهم الذين يستبد بهم القلق."
ووضح الدكتور عبد الستار إبراهيم، أن لاعبي الشطرنج الذين لا يمتهنون أيَّة مهنة أخرى سوى لعب الشطرنج يعيشون أقل بـ16 سنة من زملائهم الذين لديهم مهنة أخرى؛ لأنهم يتعرضون إلى ضغط نفسي شديد، ولأن تفكيرهم يتسم بالقلق."
طريقة تفكير الإنسان تحدد حياته كلها، التفكير الإيجابي يمنحنا المرونة والقدرة على التأقلُم وتقبُّل مشاكل الحياة، وكذلك تقبُّل الموت، فالنظرة الإيجابية المتوازنة إلى الحياة تخفف الخوف من الموت، وتمنح الإنسان نوعًا من الاستقرار النفسي والطمأنينة.
ثمة أسرة لطيفة يعتبر أفرادها المسنون، من الأشخاص الإيجابيين؛ حيث إنهم يتعاملون مع الناس بطيبة واضحة، ودائمًا يفسرون الأشياء بطريقة إيجابية وبسيطة، فعندما تكون بين أشخاص من هذا النوع تشعر بالراحة والهدوء، على عكس شعورك وأنت بين أناس آخرين يفكرون بطريقة سلبية، ويعيشون ضحايا لمشاعر الحسد والكره للناس، بحيث يقضون أوقاتهم في توتر لا ينتهي، دائمًا منزعجون ويزعِجُون من حولهم، لكن لو فكّروا بتجريب التحرُّر من ضغط المشاعر السلبية والنهر والزجر والنكد لانْقَلبت حياتهم رأسًا على عقب.
الإنسان الذي يتصرّف بهذه الطريقة، يقضي وقته حانقًا ومتوترًا، وأقل شيء يمكن أن يستفزه، وهو بذلك يستهلك أعصابه ويؤذي صحته الجسدية؛ لأنه يُبقي دائمًا عضلاته وجسدَه كله متحفزًا ومشدودًا وفي حالة غير طبيعية.
علاوة عن أنه يدفن إمكانيات الإنسان، ويغلق جميع الأبواب أمام نفسه، ويمنعه من مجرد التفكير بالقيام بأي تغيير في الحياة.
ففي كتاب "العودة من مجاهل القلق" نجد أن غالبية المتعالجين في المراكز النفسية، هم أشخاص يعانون من أوجاع وآلام لا يوجد لها أصل عضوي، بل هم أصحاء من الناحية الجسدية. ويقول المؤلف أندريه روغوفيتش: " كانت المجموعة مكوّنة من عدد من الأشخاص الذين يحاولون مساعدة أنفسهم في فهم أقدارهم وتغيير سلوكهم بما يمكن أن يحمل لهم النجاح في الحياة الواقعية".
لقد كانت جلسات العلاج تساعد المتعالجين على تغيير تفكيرهم، وفهمهم لمشكلاتهم حتى يتمكنوا من التغلب عليها وحَلِّها.
د.مارتين سليجمان يصنّف لنا الناس إلى قسمين، وما يترتب عن ذلك التصنيف:
* بالنسبة للطريقة التي نفكر بها، وخاصة بشأن الصحة، فإنها تغير صحتنا.
* يصاب المتفائلون بأمراض معدية أقل بكثير مما يصاب به المتشائمون.
* يتمتع المتفائلون بعادات صحية أفضل من تلك المتوفرة لدى المتشائمين.
* بإمكان جهازنا المناعي أن يقوم بأداء وظائفه بطريقة أفضل عندما نكون متفائلين.
* غالبًا ما تكون أعمار المتفائلين أطول من غيرهم.
(هناك أشياء كثيرة تقع خارج نطاق سيطرتنا، مثل لون أعيننا، وجنسنا، ولكن هناك حدودًا واسعة غير مطلوبة من الأعمال التي يمكن أن تكون لنا سيطرة عليها، أو أن نتخلَّى عن السيطرة ونُحيلها إلى الآخرين أو أن نتركها للقدر، وتتضمن هذه الأفعال الطريقة التي نعيش بها حياتنا، وكيفية التعامل مع الآخرين، وكيفية كسب العيش، وكافة مظاهر الوجود التي يكون لنا فيها شيء أو درجة من الاختيار.
يمكن بالفعل للطريقة التي نفكر بها حيال مجالات الحياة أن تزيل سيطرتنا على هذه الحياة أو أن توسع هذه السيطرة، لا تعد الأفكار مجرد ردود فعل للأحداث، وإنما تقوم هذه الأفكار بتغيير ما ينتج عن هذه الأحداث.)
إلى جانب وظيفته قرّر السيد محمد أمين البدء بعمل جديد، كمسوق ومندوب مبيعات، وهي مهنة لم يملك خبرة مسبقة عنها، خلال الأيام الثلاثة الأولى لم يبع شيئًا، يقول عن نفسه: "لقد شعرت بخِزي وخجل من نفسي، كنت في موقف صعب، لم أتمكن من بيع شيء، لكني تداركت الموضوع، وصرت أقول لنفسي بأن ما يحدث طبيعي وعادي، أعرف طبيبًا رغم مهارته يقدَّر- أحيانًا- ألا يزوره أي مريض، وفلان صاحب وكالة سيارات ولديه موظفون، ومع ذلك يمر عليه وقت دون زبائن، إذن ما يحدث معي عادي، ولا علاقة له بكفاءتي، بذلك خفّفت عن نفسي، وفعلاً في اليوم الرابع بعت بمبلغ جيد جدًّا، وتابعت العمل."
ما قام به السيد محمد أمين هو تقديم الدعم لنفسه عبر الحديث الإيجابي.
"عند حدوث المواقف الصعبة، يمكن للفرد أن يقدم لنفسه الدعم النفسي عن طريق الحديث الإيجابي مع الذات."
ومن الملفت للنظر أن المبدعين رغم الفكرة الشائعة عنهم من تعرضهم لاضطرابات نفسية، فإنهم قد أنجزوا أعمالهم العظيمة خلال فترات تألقهم النفسي؛ حيث كانوا يعيشون صحة نفسية عالية، وصحيح أن كثيرًا منهم قد تعرضوا لاضطرابات شديدة، لكن إنتاجهم في تلك الفترات كان أقل قيمة مما قدَّموه في فترات الصحة النفسية, وفي كتابه الحكمة الضائعة، أثبت الدكتور عبد الستار إبراهيم، أن الإبداع الحقيقي والعبقرية يرتبطان بشدة بالصحة النفسية، بل وبمستوًى عالٍ من الصحة النفسية، حيث توجد علاقة متينة بين الإبداع والصحة النفسية، كل منهما يخدم الآخر ويمدُّه بالطاقة.
والتفكير الإيجابي هو من أهم المتطلبات لتكون صحيحًا نفسيًّا.
وهنا مقتطفات لفتت نظري قرأتها في عدة كتب، تبين كم تؤثر طريقة تفكيرنا..
في كتاب "البرمجة اللغوية العصبية " يقول الدكتور الزهراني: "الحب شعور يختاره الإنسان بإرادته.. الناس لا يقعون ضحايا لمشاعرهم ما لم يختاروا ذلك..
"إذا كنت تعتقد أنك تستطيع فعل شيء أو لا تستطيع فعله فأنت في الحالتين على صواب"
وهو فعلاً كتاب يجعلنا نكتشف الحيل النفسية التي نقوم بها والستائر التي نسدلها على مفاهيمنا الخاطئة لنبرر بها لأنفسنا.
وفي كتاب "الإنسان الفعّال" وجدت الكثير من الأفكار القيمة ولفتت نظري هذه المقولات:
(ريتشارد بالندر يقول: "إن عقلك كالآلة لكن بدون زِرّ يوقفه عن التشغيل، وإذا لم تعطه شيئًا ليفعله فإنه يبدأ عمل أي شيء دون أن يهتم ما هو، ويدور ويدور إلى أن يملَّ."
طاغور يقول: "سأل الممكن المستحيل: "أين تقيم؟" فأجاب المستحيل :"في أحلام العاجزين."
وفي رواية "الخيميائي" لمؤلفها "باولو كويهلو" نطالع منذ الصفحة الأولى إلى الأخيرة حقيقة أن الإنسان عندما يفكر بشيء ويقرر أن يفعله فإن الكون كله يتضافر ليتمكن من تحقيق ذلك.