يقول غوردان ألبورت G :Allport) ) : " الشخصية هي التنظيم الدينامي للأنظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه". ويقول إيمانويل كانط: " إن الشخص هو الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها". أما فريدريك هيجل فيعتبر أن الشخصية"لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة ومحددة كما اتفق، وإنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا". 1- الشخصية وأنظمة بنائها: الإشكال: ماهي محددات الشخصية ؟ ولفهم وتفسير الشخصية، هل ينبغي تحديدها انطلاقا من مقومات نظام الشخص أم انطلاقا من مقومات النظام السيكولوجي أم انطلاقا من مقومات النظام السوسيوثقافي ؟ أ- المقاربة الفلسفية : نظام الشخص . * أطروحة ديكارت : يعتبر ديكارت أن وجود الذات أو النفس لا يمكن أن يطالها الشك. فحتى لو شككت في كل شيء، فسأكون متيقنا من أني جوهر مفكر يشك ويتخيل وينفي ويثبت ويتصور. والذات باعتبارها جوهرا مفكرا متميزة تمام التميز عن البدن، وهي أساس كل شخصية وما يمنحها تماسكها واستمرارها ووحدتها. وهكذا فإذا كان التفكير هو الخاصية الجوهرية التي تميز الذات البشرية باعتبارها ذاتا واعية، فإنه يبدو واضحا أن للوعي أهمية كبيرة في تحديد وتفسير وفهم الشخصية الإنسانية، إذ بهذا الوعي تتعالى وتتميز عن العالم. * أطروحة كانط : لقد بنى كانط مفهوم الشخص على أساس الوعي الأخلاقي ؛ فالشخص البشري عنده هو كائن عاقل يتميز عن الموجودات الطبيعية غير العاقلة بالوعي والإرادة والحرية والكرامة، كما أنه غاية في ذاته، في حين تستخدم الموجودات الأخرى كمجرد وسيلة. إن وعي الإنسان بأنه شخص أخلاقي يمتلك كرامة، يترتب عنه وجوب خضوع سلوكه للمبادئ الأخلاقية الفاضلة، وعدم سعيه إلى تحقيق أهدافه بطرق دنيئة ولاأخلاقية. كما أن تمتع الشخص بالكرامة معناه أنه كائن جدير بالاحترام، وهذا الاحترام للذات واجب على كل إنسان تجاه ذاته. ب- المقاربة العلمية للشخصية: * النظام السيكولوجي: * واطسون: هو مؤسس المدرسة السلوكية في علم النفس، والتي تعتبر أن التجلي الوحيد لنفسية الفرد هو السلوك الخارجي القابل للدراسة العلمية، والمتمثل فيما يصدر عنه من ردود أفعال واستجابات تجاه ما يتعرض له من مثيرات خارجية. وهكذا اعتقد واطسون أن ضبط العلاقة الموجودة بين المثير والاستجابة اعتمادا على مناهج علمية دقيقة من شأنه أن يمكننا من تفسير الشخصية والتنبؤ بسلوكها مستقبلا. فالشخصية إذن هي نتاج للاكتساب والتعود والتربية التي يتلقاها الفرد. * فرويد: يمكن أن نجمل أسس المنظور الفرويدي إلى الشخصية فيما يلي: - فرضية اللاشعور: وقد أصبحت هذه الفرضية واقعا سيكولوجيا مؤكدا من خلال دراسة فرويد لظواهر سيكولوجية كثيرة، كالأحلام والهفوات والنكت والنسيان ...، فهناك جانب عميق في الحياة النفسية يحتوي على خبرات ودوافع مكبوتة تعتبر هي المحرك الأساسي والخفي لسلوك الشخصية. - أهمية مرحلة الطفولة في تحديد الملامح النفسية للشخصية: إن التجارب والأزمات والعلاقات العاطفية والوجدانية التي يتعرض لها الطفل مع أبويه وإخوته وعائلته تترك أثرا عميقا في نفسيته وتحدد طبيعة إحساساته وسلوكاته لاحقا. - أهمية الصراع بين المكونات النفسية الثلاث في تحديد الشخصية: يميز فرويد بين ثلاثة تشكيلات أو أنظمة نفسية هي: * الهو: وهو يمثل الجانب العميق في الجهاز النفسي، والذي يتكون من دوافع غريزية ورغبات مكبوتة وذكريات منسية. والهو غير منطقي، لا يتقيد بالزمان والمكان، كما أنه لا يقيم أي اعتبار للقيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية، إذ ما يهمه هو تحقيق رغباته الحسية الغريزية. * الأنا: وهو ينشأ كنتيجة لاصطدام رغبات الهو بالعالم الخارجي. ووظيفته هي التوفيق بين الهو والواقع من جهة، وبين الهو والأنا الأعلى من جهة أخرى. ولذلك فالأنا يقوم بوظيفة تنسيقية حقيقية تسعى إلى تحقيق التوازن المطلوب للشخصية. * الأنا الأعلى: يمثل البعد الأخلاقي في الشخصية، وهو ينشأ كنتيجة لتقمص الطفل لقوى القمع التي يتعرض لها من طرف الوالدين والمربين. وعمله الرئيسي هو ممارسة الرقابة على الدوافع اللاشعورية للهو ومنعها من التحقق. هكذا فنمط شخصية الفرد تتوقف على نتيجة هذا الصراع الحاصل بين هذه المكونات الثلاث؛ فإذا كانت السيطرة للهو كانت الشخصية اندفاعية متهورة، وإذا كانت السيطرة للأنا الأعلى كانت الشخصية أخلاقية مثالية، وإذا كانت السيطرة للأنا كانت الشخصية واقعية ومتزنة. *النظام السوسيوثقافي: * جي روشي: يرى جي روشي أن الإنسان محتاج بشكل كبير إلى المجتمع لاكتساب صفات لا يمكنه بدونها أن يمارس حياته كإنسان اجتماعي، وبسبب هذا الاحتياج فإن الفرد يخضع لما يسمى بمسلسل التنشئة الاجتماعية الذي هو عملية تطورية بواسطتها يقوم الشخص الإنساني طوال حياته بتعلم واستبطان المعطيات الاجتماعية والثقافية لمحيطه لكي يدمجها في بنية شخصيته، بحيث يتكيف مع الوسط الاجتماعي الذي هو مضطر لكي يعيش فيه. وهكذا يكتسب الفرد خلال عملية التنشئة الاجتماعية أساليب التفكير والتصرف والإحساس الخاصة بمجتمعه، وهو ما يسهل عملية تكيفه مع باقي أفراد هذا المجتمع، فيصبح بذلك عضوا مندمجا في الجماعة ويشاطر أفرادها نفس السمات ويدافع معهم عن نفس القيم. * رالف لينتون: يتجلى تأثير المجتمع في بناء الشخصية حسب رالف لينتون في ظهور نمطين من أنماط الشخصية: - شخصية أساسية: وهي شخصية معنوية تعبر عن مجموع السمات العامة جدا والمشتركة بين كل أفراد المجتمع. - شخصية وظيفية: وهي شخصية محسوسة ترتبط بفرد ما أو بفئة اجتماعية محددة، تبعا للدور أو الوظيفة التي يقوم بها والتي تتحدد حسب السن أو الجنس أو المكانة الاجتماعية أو المؤهلات الثقافية أو المهنية... ومن مزايا الشخصية الوظيفية أنها تسمح للأفراد بأن يتفاهموا فيما بينهم بمجرد معرفة الوظيفة الاجتماعية لبعضهم البعض. ويطلق رالف لينتون على مجموع العوامل الاجتماعية المؤثرة في بناء الشخصية اسم الثقافة التي تمثل رصيدا ونسقا مندمجا من العادات والقيم وأنماط العيش التي تختلف من مجتمع لآخر. ← يظهر أنه لكي يتأتى لنا تفسير الشخصية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب التي تتدخل في عملية بنائها، إذ لا يمكن الاقتصار على نظام واحد دون الأنظمة الأخرى. 2- الشخص ودوره في بناء شخصيته. الإشكال: ما هو دور الشخص في بناء شخصيته ؟ وهل الشخصية نتاج لحرية وإرادة الفرد أم أنها حصيلة حتميات وإكراهات اجتماعية ونفسية وغيرها ؟ أ- الموقف العلمي: الشخصية نتاج لإكراهات متعددة. الشخصية بالنسبة للعلوم الإنسانية خاضعة للعديد من الإشراطات والحتميات، بدءا بالرصيد الوراثي ومرورا بإشراطات اللاشعور والطفولة وانتهاء بإشراطات البنية الاجتماعية والاقتصادية، بحيث أن النتيجة التي تفرض نفسها هنا هي القول مع بول هودار بضياع الذات واختفائها في عالم لم تختره. ( يجب التوسع في توضيح هذا الموقف بالرجوع إلى مواقف العلماء الوارد ذكرهم في المحور الأول: واطسون، فرويد، جي روشي، رالف لينتون)
ب- الموقف الفلسفي: الشخصية نتاج للحرية. * جان بول سارتر: يقول سارتر: " ليس الإنسان شيئا آخرا إلا ما هو صانع بنفسه". هذه العبارة تلخص النظرة الوجودية إلى الإنسان كما يمثلها سارتر، وهي تعني أن الإنسان ليس في ذاته إلا ما يفعل، أي أنه لا يمكن معرفة شخصيته إلا من خلال ما ينجزه وما يقوم به من أفعال أثناء وجوده التاريخي الفعلي. وهكذا يرى سارتر أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته، أي أنه يوجد أولا ثم يصنع ماهيته فيما بعد. إن وجودية سارتر ترتكز على فكرة أساسية وهي القول بالحرية الإنسانية، وهو ما يعبر عنه سارتر بمفهوم الذاتية الإنسانية التي تعني أساسا أن الإنسان يصنع نفسه بنفسه، وأنه هو الذي يمنح لأوضاعه الاجتماعية والثقافية وغيرها معنى محددا انطلاقا مما يرغب فيه وما يطمح إليه. إن قول سارتر بحرية الإنسان يترتب عنه القول بمسؤوليته . ومسؤولية الإنسان مزدوجة؛ فهو مسؤول عن نفسه ومسؤول أيضا عن الإنسانية ككل، ولهذا يرى سارتر أنه لا يجب على الإنسان أن يفعل ما يضر بنفسه أو بالإنسانية، فالإنسان الوجودي كما يتخيله سارتر هو إنسان حر، لكن حريته مرهونة بالتزامه بالمبادىء الأخلاقية والقيم الإنسانية التي يجب عليه تجسيدها في وجوده لكي يقدم صورة مشرقة عن إنسانيته. * هنري برجسون: يرى برجسون أن الشخصية عبارة عن تعاقب مستمر لمجموعة من الحالات النفسية، بحيث أن كل حالة نفسية هي حالة فريدة من نوعها ولا تشبهها أية حالة أخرى. ومن ثم لا يمكن التنبؤ بحالة نفسية قبل وقوعها، كما لا يمكن للشخصية، باعتبارها مجموعة من الحالات المتميزة، أن تكون موضوع دراسة علمية تنتهي بصياغة قوانين حتمية تحدد الحالات المستقبلية للشخصية وتتنبأ بها كما يحدث في دراسة الظواهر الطبيعية. وعليه فإن الشخصية بناء حر وإبداع مستمر.
الموضوعالأصلي : الشخصية المصدر : مــ ـعهد ســـ ــماء المغرب