دعوة الى الحب دعوة إلي الحب
إن الحب منزلة إنسانية وحالة وجدانية سامية لا يرقي إليها إلا أصحاب النفوس الرقيقة والمشاعر الفياضة، والقلوب الصافية، والنوايا الصادقة، والمعاشرة الحسنة.
إذا كانت ضرورات الحياة وإيقاع العصر المتجدد دفعنا إلي فتح بوابة الاستيراد من الخارج للوفاء باحتياجاتنا، وتعويض ما نقص عندنا، ومسايرة لموكب الحضارة العصرية المتجددة والمتسارع فهذا ليس بعيب، وإنما ارتقاء بالجنس البشري وإشباع لطموحات النفس التواقة إلي الجديد والأفضل.
أما أن نستورد مشاعرنا وأحاسيسنا من الخارج، بل من عصور مضت، وندعي يوماً يسمي عيد الحب وتخصص له مناسبة وتكتب فيه مقالات، فهذا لا يليق بالشخصية الإسلامية المستقلة، والتي تربت علي مائدة القرآن الكريم ورشفت من معين الحديث النبوي الشريف.
لا يليق بكل ذي لب مستنير أن ينتظر ما يسمي بعيد الحب كل عام كي نجدد فيه مشاعرنا بل نحييها من موات.
أليس من العيب أن يكون الرومان الوثنيون منذ سبعة عشر قرناً ميقاتاً زمنياً لنا نحن المسلمين، حتي يذكرونا بالحب وبذلك القديس فالنتاين الذي يعتبر في نظر النصاري في عصره شهيد الحب حينما كان يتم عقود الزواج سراً للمحبين مخالفاً أمر الامبراطور الروماني كلايدس الثاني الذي حرم الزواج علي الجنود حتي لا يشغلهم عن خوض الحروب.. ولما انتشر خبر هذا القديس أودع السجن، وقيل إنه في داخل السجن أحب ابنة السجان في حين أنه محرم في شريعة النصاري في ذلك الوقت علي القساوسة والرهبان الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، وعندما افتضح أمر فالنتاين عرض عليه الامبراطور أن يترك النصرانية ويعبد آلهة الرومان إلا أنه رفض فنفذ فيه حكم الإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي.
أنا لا أسوق هذه الحكاية الموجزة عن سر مجيء عبارة عيد الحب أو إشادة بالمدعو سابقاً فالنتاين وإنما الخطر كل الخطر في عبارة عيد الحب لأنه أولاً لا عيد في الإسلام إلا عيدان، عيد الفطر، وعيد الأضحي المبارك، والأمر الثاني أن الحب لا يزمن بزمن ولا يوقت بوقت، فالحب نور يشرق في قلوب العباد المخلصين يبدد دياجير الظلام والظلم، والمحب يعرف قدر نفسه والآخرين، ويهتدي لطريق رب العالمين، ولله در الشاعر المهجري عندما قال:
إن نفساً لم يشرق الحب فيها
هي نفس لم تدر ما معناها
أنا بالحب قد وصلت الي نفسي
وبالحب عرفت الله
إذا تربع الحب علي عرش قلب المحب، صار هذا الحب شعاعا يغشي الناس والدنيا جميعاً، بل يجعل القفر ربيعاً في قلوب المحبين، ويكشف هذا الحب الصادق زيف من انكروا قدسيته وهدموا حصنه الشريف حتي بكي الكون حسرة علي ضياع هذا الشعور السامي النبيل في نفوس تردت في هاوية السحيق. ولله در شاعرنا المرهف الحس إبراهيم ناجي عندما قال في ذلك..
ذلك الحب الذي علمني
أن أحب الناس والدنيا جميعاً
ذلك الحب الذي صور من
مجدب القفر لعيني ربيعاً
إنه بصرني كيف الوري
هدموا من قدسه الحصن المنيعا
وجلالي الكون في أعماقه
أعينا تبكي دماء لا دموعاً
ما أحوجنا للسير في طريق الحب حتي تنتظم حبات عقد الأمن والأمان ويتوشح به كل إنسان، وتتفتح أزهاره في بستان الحياة، فاحترام الصغير للكبير حب، وطاعة المرؤوس لرئيسه حب، والتعاون علي البر والتقوي حب، والإخلاص في العمل والتفاني في جودته حب، ومساعدة الغني للفقير حب، والصدق في المعاملة بين الزوجين من أجل أسرة سعيدة حب، وإرساء قاعدة العدل والإنصاف بين عباد الله حب، والتماس الأعذار عند ذويه حب. إن أرقي مراتب الحب هو حبك لله الذي يسمو فوق كل حب، لأن عرش قلبك لا يسكنه إلا الله سبحانه وتعالي، وكل ما يتعلق بك من أهل ومال وعشيرة وتجارة وسلطان، كل هذا دون ذلك الحب، واستمع بأذن قلبك إلي قوله تعالي قل إن كان آباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال أقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين . ويأتي في سياق حب الله حب رسوله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، لأنه علي سبيل الالزام والاتباع، قال تعالي قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم لأن رسول الله المظهر البشري الذي أوحي إليه ليخبرنا عن الظاهر سبحانه وتعالي، فالله جمله وكمله علي سائر البشر وجعله نبراس هداية للإنسانية فمن تمسك بسنته هدي إلي صراط مستقيم، ومن تنكب عنها تردي في سحيق الجحيم ويأتي بعد ذلك حب آل بيت رسول الله الأعلام المهتدين والأطهار المطهرين، أذهب الله عنهم الرجس، قال تعالي إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً .
وجاء حديث سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم جامعاً لهذه الثلاثية المقدسة عندما قال: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعم، وأحبوني لحب الله، وأحبوا آل بيتي لحبي .
إن الدعوة إلي الحب تقتضي أن نعيش في مجتمع آمن ظلله الخير، ويرفل في ثياب العز والسعادة، ويتوشح بوشاح الود والإيثار. شعار هذا المجتمع الاخوة الصادقة والاحترام المتبادل، والمؤازرة القوية عند الشدة.
إن ثمرة هذا الحب هي الرحمة والتعاون علي البر والتقوي.
تحياتى لكم
الموضوعالأصلي :
دعوة الى الحب المصدر : مــ ـعهد ســـ ــماء المغرب 
الخميس يونيو 14, 2012 6:01 pm من طرف 
الْمَشِارَكِات
موضوع: دعوة الى الحب 
الْنِّقَاط
احترام قوانين المنتدى
