فقه النوازل /رشيد نيني فقه النوازل /رشيد نينيفي هذه العشر الأواخر من رمضان تهطل العقوبات من كل جانب. فقد قرر حكماء
الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري معاقبة محطتي «هيت راديو» و«شدى إف
إم» وذلك بتوقيف بثهما خلال أوقات متفاوتة طيلة خمسة عشر يوما. الأولى
بسبب تحويل منشطه بوصفيحة لستاندار برنامجه إلى ما يشبه الهاتف الوردي
يستقبل فيه مكالمات ذات طابع بورنوغرافي تحرض على الانحراف الجنسي،
والثانية بسبب قيام منشطها بهلول بالدعاية في برنامجه «سمع سمع» لأنس
الصفريوي مالك مجموعة الضحى، واصفا إياه بالرجل «الله يعمرها دار والذي
يبني الديور للناس»، وكأن الصفريوي يوزع البيوت على عباد الله مجانا.
هذه العقوبات كانت ضرورية لكي يفهم أصحاب هذه المحطات أن هناك قانونا
وافقوا عليه عندما وضعوا طلبات للحصول على تراخيص. وكانت ضرورية أيضا لكي
يفهم القادمون الجدد إلى حقل الإعلام الإذاعي أن برامجهم تخضع للمراقبة
القانونية الصارمة. وأن زمن «غير جيب يا فم وطلق» قد انتهى.
طبعا هناك من وجد أن هذه العقوبات كانت قاسية، وهناك من كتب مدافعا عن حق
الجميع في مناقشة موضوع الجنس على الهواء بدون عقد. ناسيا أن هناك فرقا
كبيرا بين مناقشة مواضيع الجنس بشكل علمي وبين جر لسان المراهقين نحو
«البورنوغرافوني» برسائلهم القصيرة من أجل مراكمة الأرباح بفضل خدمة
الرسائل الهاتفية الباهظة. كما نسي هؤلاء أن محطة «هيت راديو» قد سبق وأن
حذرتها وعاقبتها الهيئة العليا السنة الماضية، ومع ذلك لم تفهم أن منشطها
النجم الذي جاء إلى المحطة من مطعم كان يشرف فيه على التنشيط الموسيقي،
يجب أن يخضع لتكوين إعلامي حتى يدرك الفرق بين التنشيط الموسيقي في
الكباريه والتنشيط الإذاعي على الهواء. فكرر المنشط نفس الزلة، لكن هذه
المرة كانت الزلة أكبر.
عندما يخطئ الإنسان يتمنى أن يكون العقاب الذي سينزل به عادلا
غير ظالم. وقد قارنت بين العقاب الذي أنزلته الهيئة العليا للاتصال السمعي
البصري بالمحطات التي أخلت بالتزاماتها، وذلك بمنع بثها لخمسة عشر يوما
خلال فترات معينة من النهار، وبين العقاب الذي أنزلته وزارة الداخلية
بالمغرواي رئيس جمعية الدعوة للقرآن والسنة عندما أشهر فتواه الشاذة حول
زواج بنت التاسعة، حين أقدمت إلى حدود اليوم على إغلاق ست وعشرين دارا
لتحفيظ القرآن والسنة تابعة لجمعيته، إلى أجل غير مسمى، وربما إلى الأبد.
متناسين أن رجلا كالقزابري الذي استطاع أن يجمع وراءه الملايين من المصلين
في مسجد الحسن الثاني خلال ليالي رمضان، هو أحد خريجي هذه الدور القرآنية
التي تشتغل منذ عشر سنوات دون أن يظهر منها ما يفيد تشجيعها للإرهاب أو
التطرف.
فما هو هذا المنطق الذي نمنع بموجبه محطة إذاعية من بث برامجها خلال فترة
معينة من اليوم ولخمسة عشر يوما بسبب تحريض منشطها للمراهقين والمراهقات
على الدعارة والانحراف الجنسي، بينما نغلق بشكل نهائي دورا للقرآن يحفظ
فيها أبناء المغاربة كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، لمجرد أن
هذه الدور تابعة لجمعية يرأسها رجل أفتى في الدين فأخطأ.
وقد أبانت وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للإفتاء عن عدم
احترافيتها في التعاطي مع مثل هذه المواقف الشاذة. فالداخلية، وجريا على
عادتها، اختارت التطرف في معاقبة صاحب الفتوى، أما المجلس الأعلى للإفتاء
فقد «اقترف» بلاغا مخجلا لا يليق بمستوى العلماء. وهم الذين يعطون الدروس
بلا توقف في محاضراتهم ومنتدياتهم بضرورة التحاور مع الديانات الأخرى لأن
ديننا يحضنا على ذلك. فكيف بالله عليكم يريدوننا أن نقتنع بما يقولونه حول
فتح الحوار مع رجال الدين الأجانب إذا كان علماؤنا عاجزين عن فتح الحوار
حتى مع الأئمة والشيوخ الذين ينتمون إلى نفس ديانتهم.
أما العقاب الذي أنزلته الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
بمحطة «شدى إف إم» ومنشطها البهلول، فهو درس لكل الذين يستغلون الوضعية
الصعبة التي تمر بها بعض المؤسسات لكي «يعكرو» لها ولأصحابها بالعكار
الفاسي. فقد توصلت الهيئة إلى أن «بهلول» الذي يقوم اليوم بتقديم وصلات
دعائية لمجموعة الضحى في القنوات التلفزيونية العمومية، إلى أنه اقترف
خلطا مقصودا ومتعمدا بين طبيعة برنامجه «الإبداعي» حتى لا نقول الإفداعي،
وبين الدعاية لأنس الصفريوي صاحب «الضحى». في وقت كانت فيه المجموعة
ومالكها وسط إعصار صحافي بسبب استفادة الصفريوي من أراضي الدولة والأحباس
بدون مناقصات وبأسعار تفضيلية.
والواقع أنه ليس بهلول وحده من قام بالدعاية لأنس الصفريوي في وقت
«الحزة». بل هناك جيش عرمرم من الصحافيين تجند للدفاع عن الرجل ومملكته
العقارية. خالطين بين واجبهم الإعلامي في إخبار القراء بتفاصيل فضيحة
التفويتات التي كانت مسلسل الصيف بامتياز، وبين الدعاية للرجل وتعداد
نجاحاته الباهرة التي يتربص بها الحساد من كل جانب. فالرجل محسود، ويبدو
أن هذا الحسد قد أثر مؤخرا على أسهم شركته في البورصة، والتي فقدت قيمتها
وتراجعت إلى الوراء. حتى إنه لم يعد يستطيع أن يساير المنافسة. ليس في سوق
العقار، وإنما في مجال النقل الجوي. فأحد الربابنة الذين يسوقون به
طائراته الثلاث الخاصة قدمت له شركة طيران خليجية عرضا أفضل من العرض الذي
يقدمه له الصفريوي.
ولذلك
فليس بنهمية مدير الخطوط الجوية الملكية وحده من يعاني من تهافت شركات
الطيران على الربابنة المغاربة، وإنما الصفريوي أيضا لديه نفس المشكل.
ولحسن حظ هؤلاء الزملاء في الصحافة المكتوبة أن مهنتنا لا توجد على رأسها
هيئة عليا للاتصال المكتوب، وإلا لكنا رأينا صحفا وصحافيين يتلقون عقوبات
مماثلة للعقوبة التي نزلت على بهلول.
وفي مقابل كل هذه العقوبات التي تهاطلت خلال هذه العشر الأواخر من رمضان، هناك عقوبات ومتابعات ينتظر الجميع انطلاقها بدون طائل.
ومنها محاكمة اليعقوبي زوج عمة الملك، الذي «تكرفس» في هذا الشهر المبارك،
من كورساكوف طبعا وليس الكرافس، على شرطي مرور، وعطبه في فخذه. ولم يجرؤ
أحد إلى اليوم على تحريك المتابعة القضائية ضده، رغم مطالبة تسع منظمات
حقوقية بمتابعته ومطالبة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتطبيق القانون
ضده.
وشخصيا أعتقد أن المتابعة الحقيقية لا يجب أن تكون فقط في حق اليعقوبي،
الذي على القضاء وحده أن يثبت سلامته العقلية من عدمها وليس لاماب، ولكن
يجب أن تشمل المتابعة القضائية كل رجال الأمن والمسؤولين الأمنيين الذين
سهلوا عملية فرار المتهم من مسرح الجريمة.
فهؤلاء
المسؤولون يجب متابعتهم بجريمة المشاركة، لأنهم شاركوا بالفعل في التواطؤ
مع اليعقوبي وأخلوا بواجبهم المهني الذي يفرض عليهم اعتقال الجاني في مكان
الجريمة واقتياده إلى ولاية الأمن، وليس إلى مكتب القباج والي الدار
البيضاء.
أما المتابعة الثانية التي لم نسمع بها إلى اليوم فهي متابعة
الكولونيل التريكي صهر الجنرال حسني بنسليمان الذي زور محضر حادثة سير نتج
عنها مقتل حارس فندق «أونفيتيرت بالاس» بالصخيرات وجرح آخر. ورغم ثبوت
تورط الكولونيل سمير التريكي في جريمة التزوير فإنه لم يخضع لأية متابعة
من طرف المحكمة العسكرية، ولازال حرا طليقا.
سنظل نكررها ونعيدها، لن تكون هناك هيبة للقضاء في المغرب
مادامت العدالة غير قادرة على فرض سلطتها على الجميع وبدون استثناء. لقد
فهم الجميع رسالة الملك عندما لجأ إلى القضاء بعد تعرض قصوره للسرقة. فقد
كان ممكنا أن يلجأ إلى طرق والده العتيقة في ردع من تمتد أياديهم الطويلة
إلى كؤوسه أو صحونه، لكنه اختار أن يلجأ إلى القضاء ككل المواطنين.
الآن على بعض الذين يعتبرون أنفسهم فوق القضاء، بحكم انتمائهم إلى
«الشرفا»، أن يفهموا هذه الإشارة الملكية وأن يقبلوا اللجوء إلى القضاء في
حالة ضياع ممتلكاتهم، كما في حالة اقترافهم لما يستوجب الوقوف أمام
العدالة.
بدون هذه المعادلة سيبقى كل حديث عن دولة الحق والقانون مجرد كلام يدخل من هذه الأذن ويخرج من الأذن الأخرى.