موضوع: جدل مغربي.. الجفاف سببه الفساد أم المناخ؟! الأحد ديسمبر 14, 2008 9:58 am
جدل مغربي.. الجفاف سببه الفساد أم المناخ؟! الرباط - لم يمنع انهمار الأمطار بغزارة على المغرب منذ نهاية الأسبوع الماضي وحتى اليوم السبت من استمرار الجدل حول فترة الجفاف التي ألمت بالمملكة في الأسابيع الماضية وترتب عليها تأخر موسم نزول الأمطار.[/size] وإذا كان نزول الغيث جاء بعد أداء صلاة الاستسقاء بالبلاد، فإن طول فترة الجفاف التي سبقتها أثار جدلا بين المغاربة، فالبعض يرى أن أسبابها لا تعدو كونها تغيرات مناخية ناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، فيما رأى آخرون أن غضب الله نزل على البلاد بسبب الفساد الأخلاقي المستشري على المستويين الفردي والمؤسسي.
وذكر محمد بلعوشي مسئول التواصل مع الإعلام بمديرية الأرصاد الجوية أن تأخر الأمطار حتى الأسبوع الماضي سببه وجود منطقة ضغط جوي في المنطقة الأصورية بالمحيط الأطلسي تحول دون مرور الاضطرابات الجوية إلى المغرب ومن ثم نزول المطر الذي عادة ما يبدأ في النصف الأول من نوفمبر.ودعا قبل أسبوع العاهل المغربي الملك محمد السادس في بيان للديوان الملكي جميع المواطنين المغاربة لأداء صلاة الاستسقاء في مساجد المملكة. وتساقطت الأمطار بالفعل على مختلف أنحاء البلاد الأربعاء الماضي ولا تزال مستمرة حتى الآن، الأمر الذي أدخل السرور على المواطنين المغاربة خاصة المزارعين الذين عانوا من غياب الأمطار وما تبعها من جفاف لأراضيهم. وما زاد من سرور المغاربة نفي وزير الزراعة عزيز أخنوش تكهنات راجت عن احتمال إلغاء سنة ذبح الأضحية لهذه السنة بسبب الجفاف، على غرار ما حدث خلال الثمانينيات من القرن الماضي. وأكد بلعوشي أن هطول الأمطار جاء بفضل الاضطراب الجوي الذي غطى مناطق واسعة من البلاد، وهو ما نتج عنه أمطار غزيرة، متوقعا في الوقت نفسه تساقط الثلوج على المرتفعات الجبلية التي يتجاوز ارتفاعها 2800 متر. الأمطار المنهمرة لم توقف الجدل الذي ثار بين المغاربة بشأن توالي فترات الجفاف التي ضربت البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، وأثرت سلبا على الزراعة التي تعد الركن الأول للاقتصاد الوطني وتعتمد بشكل أساسي على مياه الأمطار.
"جنود الله"
وخلال فترة الجفاف ركز الكثير من الخطباء المغاربة في المساجد خاصة بالمناطق البعيدة والريفية على القول إن مظاهر الفساد والانحراف الأخلاقي هي السبب الرئيسي في غياب الأمطار. وفي خطبة الجمعة الماضية بمدينة تمارة المحاذية للرباط، شدد الخطيب عبد الله مصطفى على أن "الظروف المناخية هي جند من جنود الله يسلطها على من يشاء للاعتبار والعودة إلى الالتزام بالأخلاق"، فيما رأى عبد الله النهاري أحد خطباء مسجد وجدة في خطبة مماثلة أنه "يجب عدم الوقوف فقط عند العوامل العلمية لتفسير الجفاف الذي يضرب البلاد، والذي تسبب - ضمن عوامل أخرى - في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وسعر تكلفة الإنتاج الزراعي". وذكّر المصلين بقوله تعالي: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"، وبقوله تعالى أيضا: "وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ". وتقر الحكومة المغربية بتأثير الفساد في البلاد، وتدرس إنشاء وكالة لمحاربته، خاصة مع تحذير منظمة الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد من أن الفساد بالمغرب أصبح مقلقا بعد تراجع المغرب على مؤشر قياس انتشاره على المستوى العالمي من المرتبة 45 عام 1999 إلى المرتبة 72 عام 2006.
توالي سنوات الجفاف
وشكل توالي سنوات الجفاف بالمغرب خلال الثلاثين سنة الماضية عقبة كبيرة للمزارعين، حيث ارتفع متوسط الحرارة بدرجة واحدة في 50 سنة، ومر المغرب بخمس فترات جفاف خلال العقود الثلاثة الماضية. وجاء في تقرير "الخمسينية" الوطني (تقرير حول المغرب بعد خمسين سنة من الاستقلال عكف عليه خبراء في شتى المجالات ونشر عام 2006)، أن البلاد كانت تسجل في بداية القرن الماضي سنة جفاف من بين 11 سنة، لتنتقل إلى سنة كل 7 سنوات منذ الستينيات من القرن العشرين، وصارت في سنوات التسعينيات بمعدل سنة جافة ضمن سنتين. وحسب دراسة رسمية للمندوبية السامية للتخطيط فإن التوقعات تشير إلى أن الموارد المائية للمغرب، السطحية والجوفية، ستتراجع بما بين 15 إلى 20% في أفق 2030، بسبب ارتفاع درجة الحرارة واتساع رقعة التصحر.
هجرة المزارعين
وتشهد المدن المغربية الكبرى، وخاصة الدار البيضاء، إقبالا منقطع النظير من طرف القرويين الذين باتوا يهجرون قراهم بسبب توالي سنوات الجفاف في الوقت الذي تسعى فيه السلطات لاستبقائهم من خلال مشروع التنمية القروية الداعم للفلاحين. ويرى خبراء أن الدولة صارت ملزمة بوضع إستراتيجية عمل واضحة لمواجهة الآثار السلبية للجفاف، من بينها وضع سياسة لترشيد استعمال المياه، وتحفيز الاستثمار في المجال الزراعي، وبناء السدود، وتشجيع الفلاحين على البقاء في قراهم عبر توفير جميع مرافق العيش الضرورية لهم.
جهود الدولة
ويشير مراقبون إلى غياب الإرادة الحقيقية من جانب المسئولين لتنمية العالم القروي، رغم ما بذل من جهود في هذا الاتجاه "لكنها تبقى دون المستوى"، بحسب بعضهم. سعيد شباعتو، رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، دعا إلى ضرورة فتح ورش عمل كبرى لتوفير فرص عمل للفلاحين خلال فترات من السنة لمساعدتهم على توفير الأموال الضرورية لشراء البذور والأعلاف. وفي إطار هذه السياسة، خصصت وزارة الزراعة الصيف الماضي اعتمادات بلغت ملياري درهم ( 262 مليون دولار) لإقامة ورش عمل لمحاربة الجفاف. وكانت الدولة قد ألغت كل الضرائب المفروضة على الإنتاج الزراعي منذ الثمانينيات وهو إجراء ساري المفعول حتى 2010، ومن المنتظر تمديده فترة أخرى. يذكر أن الولايات المتحدة تعتبر المصدر الرئيسي للقمح إلى المغرب. ويقدر المغرب حاجته إلى القمح بأنواعه بحوالي 3 ملايين طن سنويا.