كل يوم مقال مع ريشيد نيني
رشيد نيني:50 فرنك ضد 600 مليون
عندما يقصم القضاء ظهرك في المغرب لا تتوقع الدعم من المسؤولين الحكوميين عن قطاع الإعلام الذي يحمل حقيبته وزراء الاتصال الناطقون الرسميون باسم الحكومة. وكل ما عليك أن تطلبه من الله هو أن يوفر هؤلاء المسؤولون تصريحاتهم لأنفسهم ويحتفظوا بألسنتهم الطويلة بين أسنانهم.
عندما توجهنا لسعادة الوزير بسؤال حول رأيه في حكم الإعدام الذي صدر بحقنا قال بأنه لا يستطيع التعليق على أحكام القضاء. والظاهر أن سعادة الوزير لا يحسن التعليق وإنما «التعلاق» فقط، خصوصا عندما تصدر وكالة الأنباء الرسمية قصاصة «تسلخ» فيها أحد المشتبه فيهم. وهكذا فالناطق الرسمي باسم الحكومة يقوم مع وكالة الخباشي للأنباء بعمل متكامل، بحيث أن الوكالة «تسلخ» والناطق باسم الحكومة «يعلق».
لكن السيد الناصري، المحامي والشيوعي السابق يا حسرة، لم يستطع أن يصبر أكثر من اللازم، وأكله فمه، ووقع له ما وقع لذلك الرجل الذي استأمنه أحدهم على سر وأعطاه قدرا من المال مقابل أن يحتفظ بالسر لنفسه. وبعد يومين جاءه الرجل عاكفا رأسه بالحامض ورد له نقوده وهو يقول له «ما صبرتش أخويا ضرني راسي، شد فلوسك خليني نمشي نكولها».
ويبدو أن الناصري الذي امتنع عن التعليق عن الحكم الصادر في حقنا عندما اتصلنا به، فك الله عقدة لسانه وشرح صدره «للتعلاق» عن الحكم لصالح وكالة أنباء أجنبية، وقال لها بأن هناك اليوم في المغرب إجماعا على إدانة المساء، وأن الاختلاف البسيط والوحيد الموجود في هذه القضية هو في قيمة التعويض لا غير.
يعني أن سعادة الوزير مع حكم إعدام «المساء»، فقط لديه تحفظ حول طريقة تنفيذ هذا الإعدام. والشرح الأوضح بالعربية «تاعرابت» لما قاله الوزير هو «ماماتش غير خرجو مصارنو».
ونحن نستغرب كيف توصل سعادة وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة إلى أن هناك في المغرب اليوم إجماعا على إدانة «المساء». وأية شركة لاستطلاع الرأي كلفتها الحكومة بإنجاز هذه الدراسة الميدانية لمعرفة موقف المغاربة من هذا الحكم.
نطرح هذا السؤال على سعادة الناطق الرسمي باسم الحكومة لأن ما نلاحظه يوميا، ومنذ النطق بالحكم والشروع في إعدام «المساء» بالحجز على حساباتها البنكية، هو أن هناك إجماعا من طرف المغاربة بكل شرائحهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية والنقابية والحقوقية على إدانة الحكم الانتقامي الذي تطبقه العدالة المغربية ضد «المساء». ولم نلاحظ، كما لاحظ سعادة الوزير، أن هناك إجماعا في المغرب على إدانة «المساء».
المؤسف أن وزير الاتصال الوصي على قطاع الإعلام في المغرب يصطف إلى جانب محركي هذه الآلة القضائية الجهنمية ضد الصحافيين. والأكثر إثارة للأسف هو أن يتزامن الحكم بإعدام جريدة المغاربة الأولى مع استعداد وزير الاتصال للاحتفال بالعيد الوطني للإعلام، وتسليم جوائز وزارة الاتصال للصحافيين الفائزين في مسابقتها السنوية.
وبما أن حفل الوزارة في العيد الوطني للإعلام فيه فقرة اسمها «التكريم» خاصة بتكريم وجوه إعلامية مغربية لما قدمته من خدمات جليلة للمشهد الإعلامي، فإننا نقترح على «مول العرس»، أو بالأحرى «مول الباش»، أن يحجز لنا مكانا ضمن هؤلاء المكرمين لهذه السنة. ليس لأننا أنانيون ونعتبر أننا أحق من غيرنا بالتكريم، ولكن لأننا نرى أن القضاء «كرمنا» بتلك الغرامة الثقيلة «تكريمة» لم يكرمها أحد من قبلنا في المغرب منذ الاستقلال وإلى اليوم. ولذلك فإننا نرى أنه إذا كان هناك صحافيون «مكرمون» اليوم في المغرب، فهم صحافيو «المساء». وإذا زادتنا وزارة الاتصال «تكريمة» أخرى إلى جانب «التكريمة» التي تلقيناها من وزارة العدل، فإننا سنكون أحسن من يستحق لقب «مكرمو السنة».
ونحن نقترح على وزارة الاتصال الغارقة هذه الأيام في الإعداد لعرسها السنوي، أن لا تنسى تكريم القاضي العلوي الذي اشتهر بأحكام إعدامه للصحافيين. وأقترح على وزير الاتصال أن يخصص له وحده جائزة خاصة بأحسن قاضي يستطيع إغلاق أية جريدة أو مجلة كيفما كان نوعها في خمسة أيام وبدون أن يرف له جفن، تكون على هيئة مجسم لميزان مختل تنزل إحدى كفتيه إلى الأسفل بينما تصعد الأخرى نحو الأعلى.
فأمثال هؤلاء القضاة يجب أن تحتفي بهم وزارة الاتصال في عيدها السنوي، وأن يحضروا لكي يقاسموا الوزير وأعضاء الحكومة المقاعد الأمامية في مسرح محمد الخامس لكي يتعرفوا على ضحاياهم المقبلين من الصحافيين، ولكي يضحكوا منهم وهم يتسلمون شيك جائزة الصحافة الذي لا يتجاوز قدره ستة ملايين سنتيم.
يا للمفارقة العجيبة، جائزة الصحافة قدرها ستة ملايين سنتيم، وجائزة القضاة الأربعة تصل إلى ستمائة مليون سنتيم.
ولعل المضحك في ما تقوم به الجهات التي «تسهر» على «تكريمنا» هذه الأيام، أنها تعتقد أننا «سنكمد التكريمة» ونسكت. عملا بالحكمة المغربية الشائعة «تكبر وتنساها».
ولا بد أن سعادة وزير الاتصال، الذي يقول بأن هناك في المغرب إجماعا على إدانة «المساء»، يجهل أن الإجماع الحقيقي في المغرب اليوم هو إجماع شعبي على إنقاذ «المساء» بأي وجه كان، حتى تبقى الجريدة حية وتبقى معها عائلات 300 من الذين يشتغلون فيها في منأى عن التشرد. إن ما يثلج الصدر حقيقة هو هذا الكم الهائل من التعاطف المغربي الصادق الذي تسبب فيه حكم الإعدام الذي صدر في حقنا. لا تكاد تمر ساعة دون أن نتلقى رسائل ومكالمات وزيارات لقراء ومحبين وأصدقاء يحملون دفاتر شيكاتهم مستعدين لإمضاء المبلغ الذي نريد.
لقد نزل ستار شفاف من الدموع أمس أمامي وأنا أسمع جدة في الهاتف تدعو الله أن يحفظنا وتقول أنها مستعدة من أجلنا لبيع أرض صغيرة هي كل ما تملك في هذه الدنيا لكي تساعدنا على دفع الغرامة لهؤلاء القضاة. وبين الجدة التي يقرأ لها حفيدها «المساء» كل يوم والتي تريد أن تساهم بأرضها في استمرار هذه الجريدة، وبين طفل في الخامسة يريد أن يأتي به والده لكي يساهم معنا بدرهم رمزي، هناك الكثيرون اقترحوا تخصيص شهر من رواتبهم لدعمنا في هذه المحنة المالية.
كثيرون اقترحوا علينا فتح رأسمال الشركة لكي يشتروا أسهما بأثمان تشجيعية، وآخرون اقترحوا علينا فتح حساب بنكي لجمع التبرعات لهؤلاء القضاة.
وطبعا نحن نخفض رؤوسنا خجلا من كرم وشهامة ونبل هؤلاء المغاربة الأحرار، ونقول لكل الذين يبحثون عن طريقة ما لمساعدتنا من أجل إزاحة هذا السيف المسلط على رقابنا، أننا نشكر كل من آزرنا بقلبه ولسانه وقلمه في هذه المحنة. ونقول لجميع قرائنا والمتعاطفين معنا أنه تكفينا ثقتكم فينا، فهي الرصيد البنكي الذي لا ينفد، والرأسمال الحقيقي الذي لا يصيبه الكساد.
ولذلك كله لن نفتح أي حساب بنكي لجمع التبرعات، ليس فقط لأن القانون المغربي يمنع ذلك، ولكن لأننا لا نريد أن نثقل كاهل قرائنا بالمزيد من المصاريف الإضافية. فنحن نعرف ونقدر تعطش المغاربة الأحرار للمساهمة في إنقاذ جريدتهم المفضلة، لكننا نعرف أيضا حجم المعاناة اليومية للمغاربة مع قسوة الحياة ومصاريفها الثقيلة.
وحتى نمنح قراءنا ومحبينا والمتعاطفين معنا فرصة المساهمة في إنقاذ «المساء» والوقوف إلى جنبها في هذه المحنة، قررنا أن نرفع سعر الجريدة من درهمين ونصف إلى ثلاثة دراهم، بزيادة خمسين فرنكا في النسخة الواحدة. وطبعا يستطيع الواحد منكم أن يشتري عشر نسخ أو عشرين أو مائة كل يوم، فيقرأ نسخته ويوزع الباقي مجانا.
هكذا ستبرهنون للناطق الرسمي باسم الحكومة وللقضاة الأربعة وقضاة الاستئناف الذين أكدوا الحكم أن المغاربة الأحرار والشرفاء لا يدينون «المساء» كما يتخيل الناصري، وإنما يدينون العدالة المغربية ومعها حكومة عباس العاجزة حتى عن اتخاذ موقف مشرف واحد لصالح الصحافة وحرية التعبير في المغرب.
علموهم كيف تكون «تمغربيت» الحقيقية والتي يتصورون أنهم قتلوها في داخلنا. تحدثوا لأصدقائكم ومعارفكم عن «المساء» وشجعوهم على قراءتها ونشرها. برهنوا لهم أنكم ترفضون وصاية القضاء الفاسد على أحلامكم التي تتطلع إلى مغرب ديمقراطي نكون فيه جميعنا سواسية أمام قضاء مستقل وعادل.
عندما تشترون «المساء» فإنكم تساهمون معنا في البقاء على قيد الحلم، سلاحنا الوحيد في وجه هذا الكابوس المخيف الذي يخيم على ليلنا المغربي الحزين.
---------------------------------------------------------------------------------- رشيد نيني: محاكم التفتيشعندما سمعت منطوق الحكم القاضي بتغريمنا 600 مليون سنتيم لفائدة نواب وكلاء الملك الأربعة، و12 مليون سنتيم لفائدة خزينة المملكة، قلت في نفسي أن مجموعتنا الإعلامية التي توظف اليوم 300 شاب وشابة، وقع لها مثل ما وقع لحوالي ثلاثمائة شركة ومقاولة في الحي الصناعي بطنجة تضررت بسبب الفيضانات.
وبما أن الحكومة وعدت أرباب هذه الشركات المتضررة بسبب الفيضانات بالتدخل لدى البنوك وإدارة الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد وشركات التأمين، لتأجيل تسديد هذه الشركات لأقساطها وديونها في الوقت المحدد، فإننا نتمنى من الحكومة أن تعتبر شركتنا نحن أيضا شركة منكوبة، وأن تدرج اسمها ضمن لائحة الشركات التي غرقت. مع فارق بسيط وهو أن شركات المنطقة الصناعية في طنجة غرقت بسبب القضاء والقدر، بينما نحن «غرقنا» القضاء وحده.
سيقول قائل منكم، ومنهم، أن هذا الحكم الثقيل لم «يهبط المورال» لصاحبنا، وهاهو خمسة أيام بعد النطق بالحكم بالإعدام في حقه يسخر حتى من هذا الحكم. وماذا كان ينتظر هؤلاء منا أن نصنع بعد النطق بهذا الحكم غير الابتسام بسخرية. فعندما يبتسم المهزوم يفقد المنتصر لذة النصر. لذلك دعونا نبتسم في وجوه هؤلاء المتجهمين ابتسامة واسعة، لكي نقول لهم أن «المورال» سيبقى طالعا دائما، مهما طلع لبعضهم منا الدم.
والواقع أنني جلست مساء الجمعة أمام التلفزيون وانتظرت من عباس الفاسي الذي كان يثرثر في برنامج خاص حول إنجازاته الحكومية، أن يقدم الحكم بستمائة مليون سنتيم كأحد المنجزات الفذة لحكومته. فإلى اليوم لم يستطع القضاء في عهد أي وزير أول سابق تحطيم رقم قياسي في الغرامات كالرقم الذي حطمه القضاء في عهد وزارة العدل الحالية، والتي يتحمل مسؤوليتها وزير اتحادي يقول أنه من القوات الشعبية، والله أعلم. وهذا إنجاز غير مسبوق في التاريخ القضائي المغربي سيسجله التاريخ لعباس بماء من ذهب. وطبعا نقول الذهب تجاوزا حتى لا نأتي على ذكر «مادة» أخرى أقل لمعانا.
والأكيد أن غرامة 600 مليون للقضاة الأربعة، و12 مليونا لخزينة المملكة لن تدخل التاريخ المجيد لعباس وحكومته فقط، وإنما سيأتي اليوم الذي ستدخل فيه مدرجات الجامعات على شكل درس من دروس الاقتصاد. فالدولة في شخص قضائها تعتبر هذه الشركة التي تصدر «المساء» خزينة يمكن أن تصلح لكي تقوم مقام صندوق الموازنة. ويبدو والله أعلم أن الدولة تخلطنا بالحكومة وتطالبنا بضخ الأموال في صناديق وزاراتها. ونحن إلى حدود الآن مطالبون بدفع 600 مليون لوزارة العدل في شخص قضاتها الأربعة، و12 مليونا للدولة في شخص خزينتها. وعندما عدت إلى حسابات الشركة المصدرة للمساء نهاية هذا الأسبوع، وجدت أننا نجحنا في إنشاء مقاولة نموذجية، عوض أن تفكر الدولة في إعدامها، كان عليها أن تحمل حساباتها في يدها وتريها للجميع. فلو كانت كل الشركات والمقاولات في المغرب تحترم تعهداتها تجاه الدولة مثلما هو الحال مع شركتنا، لما أفلست صناديق الدولة ولغطت عائدات الضريبة عجز الميزان التجاري.
فنحن ندفع لوزارة الشغل منذ سنتين في شخص صندوق الضمان الاجتماعي مبلغ 25 مليون سنتيم شهريا، وندفع شهريا لصندوق التقاعد 45 مليون سنتيم. أما وزارة الصحة فندفع لها شهريا في شخص صندوق التأمين الإجباري عن المرض 10 ملايين سنتيم. أما وزارة المالية فندفع لها في شخص مديرية الضرائب 340 مليونا كل سنة كضريبة على الأرباح. بالإضافة إلى خمسين مليون سنتيم شهريا كضريبة على القيمة المضافة. وبما أننا مقتنعون أن «التأمين الإجباري عن المرض» ليس سوى كذبة كبيرة، لأنك إذا عولت عليه لكي تؤمن على صحتك وصحة صحافييك وموظفيك ومستخدميك فإنك كمن يعول على الريح، فقد كنا مجبرين على الانخراط في شركتي تأمين هما «الوطنية» و«سينيا»، ندفع لهما انخراطا شهريا للتأمين على المرض وحوادث الشغل قدره 15 مليون سنتيم.
وبالإضافة إلى خلقنا لحوالي 300 منصب شغل مباشر بين صحافيين وموظفين ومستخدمين، تخلق مجموعتنا الإعلامية حوالي 6000 منصب شغل غير مباشر، ما بين موزعين وباعة ومستخدمين في مهن أخرى لها علاقة بصناعة مطبوعات المؤسسة. فهل يا ترى جاءت حكومة عباس لكي تساهم في خلق مناصب شغل جديدة أم أنها جاءت لكي تخلق عاطلين جدد ينضافون إلى ثلاثين ألف من ضحايا النجاة الذين لازال عارهم في رقبة عباس.
ويبدو أن جهات ما عندما رأت كيف أننا نؤدي جميع مستحقات الدولة داخل آجالها القانونية، وبدون تحايل كما يصنع آخرون، اعتقدوا أن فلوسنا «شايطين علينا»، فقرروا أن يمارسوا معنا سياسة الابتزاز. وكأن خزينتنا أصبحت بنظرهم امتدادا لخزينة الدولة. وقد كان حريا بهم أن يخبرونا بالأمر مسبقا حتى نغير اسم هذه الشركة من «مساء ميديا» إلى «صندوق المقاصة ميديا»، والذي يلجأ إليه نزار بركة في كل مرة تحتاج حكومة صهره عباس الفاسي مصاريف لتطعيم خزينة المملكة.
عندما يتأمل الواحد منا مبلغ 600 مليون سنتيم الذي حكمت به المحكمة لأربعة قضاة ويقارنه بمبلغ 800 مليون سنتيم الذي تبرعت به الدولة لعشرات الآلاف من ضحايا الفيضانات في طنجة، يشعر فعلا بحجم الإهانة التي ارتكبها القضاء في حق الشعب المغربي.
فقضاؤنا يجبر ضررا غير منظور لا أحد من القضاة الأربعة استطاع إثباته على أرض الواقع، عدا قصة من قصص الأزلية رواها دفاع أحدهم حول عائلته التي تشردت بسبب ما نشرنا دون أن يقدم دليلا واحدا على صحة هذا التشرد. وفي نفس الأسبوع الذي يجبر القضاء فيه ضرر قضاته الأربعة بمبلغ 600 مليون، تجبر الدولة ضرر عشرات الآلاف من العائلات التي تشردت فعلا في طنجة وفقدت مساكنها وممتلكاتها بمبلغ لا يتعدى 800 مليون سنتيم.
وإذا كانت المحكمة الموقرة تقدر الضرر الذي يدعي القضاة الأربعة أنه أصابهم بستمائة مليون سنتيم لكي يقتسموها في ما بينهم، فنحن ننتظر على أحر من الجمر سماع تقدير المحكمة الموقرة للضرر الذي أصاب الشرطي محب الذي تلقى رصاصة في فخذه من طرف اليعقوبي، والذي تقول الصحف أن محاميا تكلف بملفه لكي يجبر ضرر الشرطي المصاب وتطوى القضية.
فرجل الشرطة يمثل هيبة الأمن، مثله مثل القضاة الذين يمثلون هيبة العدل. وإذا كانت مجرد كلمة في حق قاضي دون ذكر اسمه أو نسبه تعطيه الحق في كل هذه الملايين، فإننا نعتقد أن إصابة شرطي برصاصة في فخده أثناء ممارسته لعمله تستحق مليار سنتيم على الأقل.
في كل الرسائل والمكالمات التي توصلت بها بعد النطق بحكم الإعدام، لاحظت أن عبارة واحدة ترددت في كلام أغلب المتصلين، وهي «واش هادو حماقو». وعندما تأملت منطوق الحكم وحجم الغرامة اقتنعت بأن الدولة لديها منطقها الخاص بها والذي لا نفهمه غالبا نحن معشر «البوجاديين». وهكذا فهمت أن الهدف من هذا الحكم هو بث المزيد من روح اليأس في نفوس المغاربة، حتى يفكروا جديا في الهجرة ومغادرة البلاد. فمع الأزمة المالية التي يعرفها العالم ستنخفض مداخيل العملة الصعبة التي تأتي إلى الخزينة من تحويلات عمالنا المهاجرين بالخارج. والحل هو «تصدير» دفعات جديدة من «عمالنا المهاجرين» حتى يسدوا الثقوب المحتملة في هذا الشريان الكبير الذي يمد قلب المغرب بالحياة.
وكما ترون فالهدف من هذا الحكم القاسي قد يكون نبيلا رغم ملامحه البشعة. وبما أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن الدولة مستعدة للتضحية بإحدى مقاولاتها الناجحة والتي تصدر الجريدة الأكثر مقروئية في البلاد، لمجرد تشجيع المغاربة على المزيد من الهجرة. فيبدو أن ثلاثة ملايين مغربي الذين «طجو» إلى حدود اليوم من المغرب لا تكفيهم، ويريدون «تطجيج» المزيد بمحاكم تفتيشهم الجديدة.
مع فارق بسيط، وهو أن المغاربة المسلمين قبل قرون كانوا «يطجون» من الأندلس بسبب محاكم التفتيش المسيحية، أما اليوم في القرن الواحد والعشرين فإن المغاربة المسلمين «يطجون» من المغرب نحو الأندلس بسبب محاكم تفتيش إخوانهم المسلمين. 04.11.2008. 15:34
الموضوعالأصلي :
كل يوم مقال مع ريشيد نيني المصدر : مــ ـعهد ســـ ــماء المغرب
عدل سابقا من قبل الزعيم في الأربعاء نوفمبر 12, 2008 3:27 am عدل 3 مرات