نادى مناد الجهاد واجتمع الجيش .. فينطلق هذا الرجل لما سمع نداء
الجهاد وتتشبث به امرأته ودموعها تتحدر .. إلى أين أنت ذاهب ؟
قال : أما تسمعين نداء الله .. حي على الجهاد .. فوالله لو كنت حبيبة
إلى نفسي فإن الله أحب ..
قالت : فماذا أفعل بما في أحشائي .. إبنك هذا ..
قال : تركت لك ثلاثين ألف دينار ، افعلي بها ما شئتي في تربيته
قالت : ومتى تعود ؟
قال : لا أدري سأسيح في الأرض ولعلي أبلغ حدود الهند والسند
وبيننا وبينهم ألاف الأميال .. فإن عُدت فذلك الخير ..
وإن مت فتلك الشهادة .. ألتقي معك إن شاء الله في جنات الخلود ...
وينطلق الرجل ويغيب السنين الطوال ويعود بعد السنين محملا بالغنائم
ما خف حمله وغلى ثمنه .. يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ..
ولما كان من السّنة أنهم إذا جاءوا دخلوا المسجد فصلوا فيه ركعتين
وكانوا يتمهلون قليلا في المسجد حتى يوصلوا أخبارهم إلى زوجاتهم
فتستعد المرأة لاستقبال زوجها ..
يقول بينما أنا جالس في المسجد وإذا بشاب يدخل المسجد ما رأيت
أجمل ولا أبهى منه , فلما دخل أنصت الناس احتراما ووقارا , ثم جلس
على كرسيه وأخذ يحدثهم من المغرب إلى العشاء ..
يقول : أنساني أهلي ! جلست أستمع وكأن الدر الرطب يتناثر من فمه ..
فلما أذن العشاء صليت ثم ذهبت إلى داري ودفعت الباب ودخلت
وكان المصباح خافتا فإذا زوجتي وبجوارها فتى ..
فامتشقت السيف فالتفتت إلي فعرفتني وقالت : على مهلك لا تستعجل ..
وقالت : قم يا بني واستقبل أباك ..
يقول : فلما اقترب مني ونظرت إلى وجهه إذا به الفتى الذي حدث الناس
> قلت : من أنت ؟
قال : يا أبتاه أنا ربيعة الرأي إمام المدينة , أفتي فيها ، ولم يبلغ عمري
سبعة عشر عاما !!
حفظ القرآن كله والحديث وأقوال العلماء والفقهاء !! عالم زمانه وعصره !!
عجبا !!! ومن أي شيء أتعجب .. أمن صبر الأم طوال هذه السنين بلا زوج
لا تشتكي وتحتسب وقتها كله جهادا في سبيل الله !!
أم أنه حسن تدبيرها في تربية ابنها !!
أم أتعجب من هذا الابن الذي حوى هذا العلم مع أنه لم يجد أبا يربيه
وهو في أحضان أمه ؟!!
يغيب هذه السنين الطويلة !! من الذي خلفه في أهله ؟
إنه الله ..
لذلك أوصانا الحبيب المصطفى أنه إذا خرج المسافر قال :
اللهم أنت الخليفة في الأهل , والصاحب في السفر
اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر
وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد
عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا : ادن مني أودعك كما كانرسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا ، فيقول : أستودع الله دينك وأمانتكوخواتيم عملك . ( ويجيب المسافر : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه )
الموضوعالأصلي : قصة أعجبتني المصدر : مــ ـعهد ســـ ــماء المغرب