قدم عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مساء أول
أمس (الثلاثاء)، "أوراق اعتماده" وزيرا أول لحكومة ما بعد الانتخابات
التشريعية 2012، مباشرة على هواء برنامج "حوار" الذي ينشطه الصحافي المخضرم
مصطفى العلوي.
على غير عادته في مواقف مشابهة، لم يترك الناشط السابق في صفوف الشبيبة الإسلامية أي شك عن عزمه تحمل مسؤولية
رئاسة الحكومة المقبلة مع وزراء من أحزاب صديقة سيختارها بعناية، شرط،
طبعا، أن يستدعيه جلالة الملك ويقلده مسؤولية ذلك، مؤكدا بحسم "نعم سأتحمل
مسؤولية الوزير الأول، آش فيها كاع..مال هاد الوزير الأول كيخلع..عادي نشدو
فيها باش ما عطا الله، كيف ما شدينا في السابق في الأمانة العامة للحزب..
وها حنا غاديين بتوفيق الله".
لم يخبر بنكيران أي أحد عن سر هذه الثقة
الطارئة، وهل يتعلق الأمر بموقف شخصي استدعته لحظة الحماس الزائد الذي ميز
البرنامج وحرارة التصفيقات خارجة عن سياق برنامج حواري مباشر التي أغضبت
"مولاي مصطفى" وأخرجته عن مرحه المعهود؟ أم يتعلق بقرار صادر عن المجلس
الوطني الأخير للحزب وتوجيه رسمي فرضته الظرفية السياسية الملتهبة ما بعد
20 فبراير؟ أم لا تعدو العملية برمتها مجرد مزايدة إعلامية على الهواء
مباشرة على الخصوم الذين يضعون الحزب بين طرفي كماشة منذ 2003، وأن أحسن
طريقة للانفلات، في نظره ربما، هي الهروب إلى الأمام والقول إن الدولة التي
تريدون تشويه صورتنا معها، نحن سنسير أهم ركن فيها؟
فبمزيج من التهريج
والسهولة في التناول والتحليل، والفرجة التلفزيونية عالية المنسوب،
والسخرية والتفكه على الطريقة البنكيرانية، ظل زعيم الإسلاميين المعتدلين
يتحدث عن موضوع جدي مثل مؤسسة رئاسة الحكومة، وحتى حين طرح عليه أحد
الصحافيين سؤالا حول مدى استعداده لتسلم منصب الوزير الأول، أجابه كما يجيب
صديق صديقا له في مقهى عمومي "واش دابا حكرتيني..دوي.. لا حكرتيني أسيدي،
نعم.. أنا موجود باش نكون وزير أول، آش فيها كاع..أش بان ليك ماغاداش تجي
معايا".
في السابق، كان بنكيران يتحرج حتى من طرح السؤال أمامه بصيغه
المختلفة، وكان يطلب من الصحافيين، ببهرجته الشهيرة، أن يضربوا صفحا على
هذا النوع من الأسئلة غير ذات معنى والسابقة لأوانها، في نظره، ليكرر، في
كل مرة، أن الأهم بناء حزب إسلامي قوي على المستوى التنظيمي وإرساء أركان
معارضة برلمانية تحرج الحكومات المتعاقبة وتنظيمات موازية فاعلة في المجتمع
المدني والحقوقي والنسائي، وأن المناصب لا تهم الحزب بقدر ما تهمه مصلحة
البلد.
أمام اليوم، فقد بدا بنكيران كمن ينتظر بلهفة زائدة مثل هذا
السؤال، وحتى قبل أن يلتقط صيغته النهائية، راح يوزع تأكيداته، مثل باقات
ورود، ذات اليمين وذات الشمال، إلى الأعلى وإلى الأسفل، مغلقا جميع
النوافذ، أو احتمالات العودة والتراجع والمناورة السياسية في ما بعد، بشكل
فاجأ زملاءه في الحزب الذين رصدت كاميرات البرنامج سحناتهم التي علتها
علامات الحيرة.
وقبل الوصول إلى هذه المرحلة الأساسية في عملية "تبليغ"
الرسائل، قام تلميذ عبد الكريم مطيع بما يشبه التطهير السياسي والتكفير
الإيديولوجي عن قناعاته وأفعاله السابقة، وعرض صحيفة حسن النوايا أمام 30
مليون مغربي مباشرة على قناة عمومية، مؤكدا أن الحزب قام بما يكفي من
مراجعات نسخت جزءا كبيرا من ماضيه حين كان بنكيران وزملاءه ينازعون الملك
الراحل الشرعية والوجود، ويشنون حرب تطهير في صفوف اليسار ومن ولاهم بلنين
إلى يوم يبعثون.
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي أصر على أن
يحيط نفسه بأعضاء أمانته العامة، ضمنهم العائدون من رحلة الاستقالة،
ووزيران في حكومة عباس الفاسي، وبعض حلفائه السابقين مثل عبد الرحيم
الحجوجي، كان مستعدا لمناقشة أي أحد وفي أي شيء ويعطي رأيه بطريقته الخاصة
التي تلخصها "غير أجي أفم وكول"، دون تركيز أو تفكير اتقاء لشر "التأويلات
المغرضة"، وجحيم الانتقادات داخل حزبه الذين يتفرغ بعض أعضائه، هذه الأيام،
لتوقيع عرائض احتجاجية ضـــــــده.
تحدث عن محاربة الرشوة وشباب 20
فبراير والملكية البرلمانية والسيادة وأمير المؤمنين والملكية الديمقراطية
وفصل السلط والقضاء والثورة الإيرانية والأصالة والمعاصرة وعباس الفاسي
والتعديلات الدستورية والديمقراطية الداخلية، دون أن يظفر منه المشاهدون
بفكرة واحدة صالحة للتحليل وتسجيلها موقفا لصالح أو ضد العدالة والتنمية،
ليظل الغموض واللعب على جميع الحبال والدوران 180 درجة في الثانية، ميزة
الرجل الذي يحسب له، رغم كيد الكائدين، أنه أدخل تعبيرا جديدا في المعجم
السياسي المغربي لخصه في: "غادي نشد في الوزير الأول باش ما عطا الله".
يوسف الساكتعن الصباح