الكتب الأربعة هل أن الكتب الأربعة لدى الشيعة هي بمثابة الصحاح الستة لدى السُنة من حيث أن كل ما تحتويه هذه الكتب هي أحاديث صحيحة ؟
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
لا شك في أن الكتب الأربعة [1] تحظى بمكانة عالية و درجة رفيعة لدى علماء و فقهاء الشيعة الإمامية ، لكن رغم هذه المكانة العالية و رغم إعتماد علماء الشيعة على هذه الكتب الحديثية في استنباطاتهم و دراساتهم الفقهية و الكلامية و غيرها من الأبحاث ، فانهم لا يتعاملون مع هذه الكتب أو غيرها من الكتب ككتب صحاح يصح الاعتماد على كل ما ورد فيها بالجملة من دون تمحيص .
و موقفهم هذا تجاه هذه الكتب ليس لكون هذه الكتب غير معتبرة أو مخدوشة ، بل لأن الشيعة الامامية تلتزم بإخضاع كافة الروايات و الأحاديث و جميع الرُّوات و المحدثين من دون استثناء للتمحيص و التدقيق حتى تتعرّف على حال الرواية من حيث المتن و السند ، و حتى تتمكن من معرفة حال رواتها من حيث الوثاقة و اللاوثاقة [2] فتميِّز الصالحين منهم عن الطالحين و المؤمنين عن المنافقين ، كل ذلك لكي يتسنى الأخذ من الصالحين و المؤمنين الموثوقين دون غيرهم .
و لا شك أن الاهتمام بتمحيص الحديث و التدقيق في حال رواته لهذه الدرجة ميزة كبرى تمتاز بها الشيعة عن غيرها من المذاهب الإسلامية [3] ، و هذا الالتزام إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على مدى اهتمام الشيعة بالحديث الشريف من ناحية السند و المتن و كيفية تحمّله [4] و آداب نقله و أدائه [5] ، و ذلك لأن الحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي على كافة الأصعدة بعد القرآن الكريم .
ذلك لأن الحديث اعتمد في تحمّله و نقله الرواية الشفوية ثم الرواية التحريرية ، و لقد جاء أكثر الحديث عن طريق الآحاد ، و خبر الواحد ـ كما هو مقرر و محرر في علم أصول الفقه [6] ـ لا يفيد اليقين بصدوره عن المعصوم ، فوضع العلماء ما يعرف بـ " علم الرجال [7] " و " علم الحديث [8] " لهذه الغاية [9] .
إذن فعلماء الشيعة الامامية لا يُصحِّحون أحاديث أي كتاب بالجملة ، بل يُخضعون كل حديثٍ حديثٍ من أحاديثه للتمحيص و التقييم و التدقيق أياً كان ذلك الكتاب و مهما كانت منزلة مؤلفه .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الكتب الأربعة هي موسوعات حديثية قيِّمة تتمتع بمكانة رفيعة في الأوساط العلمية الإسلامية بصورة عامة و في الأوساط الإسلامية الشيعية بصورة خاصة ، و تُعتبر من أهم المصادر الحديثية لديها ، و هي :
1. الكافي : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، و هو من أبرز الفقهاء المُحدِّثين الإماميين و عَلَمٌ من أعلامها ، و كتاب الكافي مُقَسَّم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي : أصول الكافي ، فروع الكافي ، روضة الكافي ، و الكتاب يحتوي على ستة عشر ألف حديث في العقيدة و الشريعة الإسلامية .
2. من لا يحضره الفقيه : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ " الصدوق " ، المولود في سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، و هذا الكتاب يحتوي على ما يقارب من ستة الآف حديث في الفقه و الأحكام الشرعية .
3. تهذيب الأحكام : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية ، و هذا الكتاب يحتوي على 13590 حديث في الفقه و الأحكام الشرعية .
4. الإستبصار فيما أختلف من الأخبار : و هو أيضا مما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية ، و هذا الكتاب يحتوي على 5511 حديث .
[2] الوثاقة تساوي التعديل ، و اللاوثاقة تساوي الجرح في مصطلح علم الرجال .
[3] تستثني سائر المذاهب الرواة من الصحابة من هذا التدقيق و التقييم ، فهم لا يخضعونهم أبدا إلى التقييم و يقولون بعدالة جميع الصحابة بلا استثناء .
هذا و ان موضوع عدالة الصحابة من المواضيع الحساسة التي شغلت جانباً مهماً من أبحاث الحديث و الرجال ، و قد ذهب جمهور من أبناء العامة إلى أن جميع الصحابة عدول و لا ينبغي أن تنالهم يَدُ الجرح و التعديل كما تناله غيرهم من المسلمين .
كما و أن نظرتهم إلى كتب الصحاح المعروفة أن جملة أحاديثها صحيحة ، و العجيب أنهم مع ادعاء الإجماع على قداسة الصحابة ، و أنهم فوق مستوى الجرح و التعديل ، رووا عشرات الأحاديث التي اختارها أصحاب الصحاح حول ارتداد الصحابة عن الدين و التمرّد على أصوله و مبادئه على نحو لا يدع مجالاً للريب في أنهم كانوا كسائر الناس فيهم الصالح و الطالح ، و المنافق و المؤمن ، إلى غير ذلك من الأصناف التي يقف عليها المتتبع لآيات الذكر الحكيم و السنة النبوية ، و هذا أمر عجيب جداً ، يراجع : الحديث النبوي بين الرواية و الدراية : 51 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الأولى سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) قم / إيران .
[4] التَحَمُّل : مصطلح من مصطلحات علم الحديث ، و يراد منه تلقّي الراوي للحديث من الراوي الآخر الذي ألقاه إليه ، ثم الحفظ له من قبل الراوي المتلقي ، سواءً كان ذلك الحفظ استظهاراً و عن ظهر القلب ، أو كتابةً و تدويناً ، فالتحمّل ـ إذن ـ يعني الحمل ـ لغةً ـ حمل في مشقة ، و من غير شك أن حمل الحديث فيه شيء من المشقة لما فيه من وجوب الاحتياط له من أن يدخله أو يشوبه شيء ليس منه ، يراجع : أصول الحديث : 223 ، للعلامة الدكتور الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية سنة : 1416 هجرية ، مؤسسة اُم القرى للتحقيق و النشر .
[5] الأداء : مُصطلح من مصطلحات علم الحديث ، و يراد منه إلقاء الراوي للحديث لراوٍ آخر يتلقاه منه ، يراجع أيضاً : أصول الحديث : 223 .
[6] علم الأصول : صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل ، كفاية الأصول : 1 / 9 ، للعلامة المُحقق الخراساني ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) .
[7] علم الرجال : هو العلم الذي يبحث فيه عن قواعد معرفة أحوال الرواة من حيث تشخيص ذواتهم ، و تبيين أوصافهم التي هي شرط في قبول روايتهم أو رفضها ، يراجع : أصول علم الرجال : 11 ، للعلامة الدكتور الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية ، سنة : 1416 هجرية ، مؤسسة أم القرى للتحقيق و النشر .
[8] علم الحديث أو علم الدراية : هو العلم الباحث عن الحالات العارضة على الحديث من جانب السند أو المتن ، يراجع : أصول الحديث و أحكامه في علم الدراية : 14 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قم / إيران .
[9] أصول الحديث : 14 ، للعلامة الدكتور الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية سنة : 1416 هجرية ، مؤسسة اُم القرى للتحقيق و النشر
الموضوعالأصلي :
الكتب الأربعة المصدر : مــ ـعهد ســـ ــماء المغرب