التجديد في الإسلام (هدا الدرس مهم في السنة الاولى من الثانوية) إن للتجديد جذور عميقة في فكر وواقع الأمة الإسلامية، وقضاياها الملحة والمتغيرة باستمرار، تبعا لسنة الكون في التبدل والدوران، ونزوع العقل الإنساني ودأبه نحو تقليب النظر وتجديد الأحكام بالتأمل والتجربة حينا، والاختبار والقياس حينا آخر، حتى يستطيع الاستجابة لحاجياته المتجددة بتجدد الزمان والمكان، وهو –أي التجديد- سمة مميزة وأصيلة من سمات وخصائص خلود الشريعة الإسلامية واستمرار صلاحيتها.
وقبل الخوض في غمار هذا الموضوع، أرى أنه من الضروري تحديد مفهوم التجديد.
التجديد في اللغة يعني: أن الشيء المجدد قد كان في أول عهده مألوفا ومشاعا بين الناس، ثم أتى عليه حين من الدهر فأصابه البلى والابتذال بالاستعمال، ثم أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى.
أما في الاصطلاح فيشمل ثلاث دلالات :
الدلالة الأولى: يرتبط التجديد بإحياء ما اندرس من السنة أو إحياء الدين، عندما تتعرض الأمة إلى ما يهدد كيانها في مجال العقيدة والأخلاق وغيرها، وهذا هو المعنى الذي نجده في شرح الحديث: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها" أخرجه الإمام أبو داود في سننه
الدلالة الثانية: يرتبط التجديد بمحاربة البدع والدعوة إلى التشبث بالسنن.
الدلالة الثالثة: يرتبط التجديد بالاجتهادات الجزئية المرتبطة باستخراج أحكام المستجدات من الحوادث والقضايا انطلاقا من كليات القواعد الفقهية، والمبادئ الأصولية وقواعد تفسير النصوص الشرعية، دون عبث بها، وبتجرد عن الرغبات والأهواء، وحظوظ النفس ومصالح الحياة.
العوامل التي تجعل الشريعة الإسلامية قابلة للتجديد.
إن ميزة الشريعة الإسلامية هي خصوبتها ومرونتها وقدرتها على النماء والتجدد ومواجهة كل طارئ وحل كل مشكل، مهما يكن حجمه ونوعه، ولا عجب أن دخلت هذه الشريعة كل البيئات والأوطان، وحكمت كل الأجناس والألوان، وواجهات نظما متباينة وعادات متضاربة، وأحوال متقلبة، فلم تضق ذرعا بالإفتاء فيها، والتشريع لها بالحكم العادل، ولم يقف العلماء جامدين في وجه الأحداث وعاجزين أمام المشكلات الجديدة، بل واجهوها باجتهادات شتى وأنظار متفاوتة، وقدّرُوا لها أحكام بالنظر في النصوص الشرعية، وبقي الحال على هذا حتى العصور المتأخرة التي غلب فيها التقليد المذهبي.
مجالات وقضايا التجديد في الشريعة الإسلامية.
تنقسم الشريعة الإسلامية إلى مجالين:
مجال القطعيات: أي كل ما هو ثابت وقطعي، لا يمكن تغييره او تبديله، ك أركان الإسلام، وكل ما يتعلق بالعقيدة. ويكون التجديد فيها بإعادتها إلى أصلها وإزالة ما علق بها من البدع والأخطاء.
مجال الظنيات: أي القوانين والأحكام الشرعية لمختلف الحوادث والقضايا، وهي قابله للتجديد بحكم تجدد الزمان والمكان، وتغير ظروف العصر.
وهناك قضايا عديدة متعلقة بتجديد الشريعة الإسلامية، لعل أهمها: الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، وخروج المرأة إلى العمل، والديمقراطية والاستنساخ، والمعاملات البنكية، إضافة إلى عمليات التجميل وما إلى ذلك...
وهذه القضايا تطرح عدة تساؤلات منها:
- في قضية المعاملات البنكية. هل هي معاملات ربوية وبالتالي فهي محرمة؟ أم لا بد منها في عصرنا الحالي –عصر العولمة- لجلب الأرباح والظفر بمشعل التقدم والرقي؟
- الاستنساخ: هل هو إثم كبير وجريمة في حق البشرية وبالتالي فهو محرم؟ أم يجوز الاستنساخ باعتباره محطة من محطات التطور البشري؟.
- عمليات التجميل: هل هي تشويه لخلق الله تعالى وبالتالي فهي محرمة؟ أم يجوز القيام بعمليات التجميل لتحسين الخلقة والظهور بمظهر جميل ومثير؟ أم أن هناك شروطا وظروفا وحالات خاصة تجوز فيها القيام بعمليات التجميل؟ وأخرى لا تجوز.
- خروج المرأة للعمل: هل يجوز أن تخرج المرأة للعمل لأنها مساوية للرجل في جميع الحقوق وتمثل نصف المجتمع؟ أم أنه يجب ألا تخرج تماما للعمل، لأن دورها وعملها داخل الأسرة، إذ عليها أن تدبر منزلها وتربي أولادها لتكون أبناء نافعين لوطنهم، مساهمين في بناء مجتمع متقدم؟ أم أنه يجوز أن تخرج المرأة للعمل ولكن وفق شروط محددة وتحت ظروف معينة؟...
ويبقى السؤال المطروح هو: إلى أي حد يمكن اعتبار آليات الجديد والانفتاح قادرة على جعل الفقه الإسلامي منفتح على الواقع، ومساير للعصر وسط وجهات النظر المختلفة لفقهاء والعلماء، وتباين الاتجاهات المذهبية والسياسية؟.
وإلى أي حد يمكن أن يكون الفقهاء والعلماء قادرين على تجديد الأحكام وفق ما عرفته المجتمعات الإسلامية من تطورات وإكراهات؟.
وختاما: إن التجديد المنشود لا يعني الانفصال عن التراث والتنكر للقديم، آو التقوقع على الماضي، بل لابد من الممازجة بين الأصالة والمعاصرة، حيث إن عمليات التجديد لا يمكن أن تتم من فراغ، أو ترسم في البروج العاجية البعيدة عن ساحة التفاعل الاجتماعي، فأولى خطوات التجديد تتمثل في نقد الواقع ومراجعته وتقويمه ومعايرته بقيم الكتاب والسنة، وعلى المجدد للسنة أو المحيي للدين أن تكون لديه بصيرة نافذة وفقه نضيج، يمتلك مفاتيح المعادلات المركبة التي يفرزها التدافع بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، وذلك بالحفاظ على جوهر الشريعة الإسلامية وخصائصها الأصيلة وطابعها المتميز.