[ "مثل العلماء كمثل النجوم" .. وفي القرآن النجوم : هدى ومصابيح وزينة و رجوم بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أيها الأحبة / " العلماء ورثة الأنبياء " رواه أبو داود والترمذي .
" الأمة لا تنقطع حاجتها للعلماء "
" العلماء هم من يرد بعون الله جيوش الفتن ، و جحافل الشـُُبه ، وظلام الجهل "
لكن .. " من هم العلماء ؟ "
ما هي صفاتهم ؟
وكيف نجدهم ؟
هل هم القراء ؟ أم الوعاظ ؟ أم المعينين وظيفياً ؟
أم غير ذلك ... ؟
و " من هو العالم الرباني ؟ "
كل ذلك ستقرئه إن شاء الله في هذا المبحث الذي يدور حول
" من هو العالم الرباني ؟ "
قراءة .. ماتعة .. هادفة .. مؤصلة .. أتمناها لك مع هذا البحث . فإن أصبت فيه فمن الله وحده ..
وإن أخطأت فمن نفسي و الشيطان ...
............
أولاً : العلماء في ميزان أهل السنة و الجماعة :
العلماء في ميزان أهل السنة و الجماعة وسط بين الجفاة و الغلاة ، إذ لم يغلو فيهم ولم يقدسوهم ويجعلوا لهم العصمة كما تفعل بعض الطوائف ، و لا هم بالذين جفوهم كالطائفة الأخرى التي لم تجعل للعلماء اعتبارا في الشريعة ، إذ لم تقدر علمائها ولم تسمع لهم ولا لنصحهم .
وكلا الطائفتين ضلت وأضلت . والمتأمل في تاريخ الأمة يجد أن أساس الفرق منشأه من هاتين الطائفتين ..
أما أهل السنة و الجماعة فهم يعتبرون العلماء ورثة الأنبياء ، فإذا كان النبي أتى بالكتاب و الحكمة و التزكية : " لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " (164 آل عمران)
فورثة الأنبياء هم ورثة هذه الآيات والكتاب و الحكمة و التزكية .
وعلمهم هو الخلافة في حوار الرب سبحانه مع الملائكة لما خلق آدم : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) " البقرة
وإذا كان للأنبياء قدراً واعتبارا لائقاً بهم في الشرع ، فالعلماء ورثوا أيضاً هذه المكانة ، قال الخطيب البغدادي رحمه الله :" من عرف للإسلام حقه ، وأوجب للدين حرمته ، أكبر من أن يحتقر من عظّم الله " _ الكفاية ص5 _
وهذا دأب سلفنا رحمهم الله مع العلماء ، فهم الذين يُقدّمون وتكون لهم الصدارة ، ومرجع الأمة في كل أحوالها ، ومفزعها في كل خطب .
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم « إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحرفإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة » [أخرجه أحمد في مسنده ]
والنجوم وردت في القرآن على عدة معان
::هداية ::
:: و مصابيح ::
::و زينة ::
:: و حفظ ::
:: و رجوم ::
هداية كما في قوله تعالى : ـ " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " ( الأنعام97)
وقوله تعالى :ـ " وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " (النحل 16)
زينة ومصابيح وحفظ كما في قوله تعالى :ـ " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " (فصلت 12)
زينة ومصابيح و رجوم للشياطين كما في قوله تعالى:ـ " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ " (الملك 5)
قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى : " فما ظنكم _ رحمكم الله _ بطريق فيه آفات كثيرة ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء ، فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا ، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم ، فسلكوه على السلامة والعافية ، ثم جاءت طبقات من الناس لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا ، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح ، فبقوا في الظلمة فما ظنكم بهم ؟
فهكذا العلماء في الناس لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض ، ولا كيف اجتناب المحارم ، ولا كيف يُعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه إلا ببقاء العلماء ، فإذا مات العلماء تحيّر الناس و دَرَس العلم بموتهم وظهر الجهل "
قال الشاعر :ـ
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها ***متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلف
والعالم كما له من الاعتبار في الشرع ، فله أهمية قصوى في الأمة ، فهو الذي يأخذ بيدها للحق بما حباه الله من علم ، فعلى شواطئ معرفته تتكسر أعاصير الجهل و الفتن و الشُبه ، وعلى ضياء علمه يحترق ظلام الجهل و الزيغ و الضلال .
[ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ]
(18 آل عمران )
أشهدهم الله على أعظم مشهود ، ذلك لما لهم من أهمية عند الله سبحانه .
بل وكما ورد في الحديث الصحيح أن العلم يرتفع في آخر الزمان وسبب ارتفاعه هو بسبب عدم وجود العلماء . فتخيل ذلك ؟ وكيف سيكون الناس في جهل دامس !
قال صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". رواه البخاري و مسلم
لعمرك ما الرزية فقدمالٍ *** ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حرٍ *** يموت بموته خلق كثير
بعد أن تعرفنا على مكانة العالم و أهميته نجد أن هناك أسئلة مهمة جداً تلح علينا هي :
" من هم العلماء ؟ "
" كيف نعرف العالم الرباني ؟ "
" أين نجدهم ؟
" هل لهم صفات خاصة؟
" هل يعينون في وظيفياً ؟
هل ينتخبون ؟
سنبحث في ذلك إن شاء الله تعالى ..
روى مسلم في صحيحه عن ابن سيرين موقوفاً عليه :ـ
" فإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
فالعلماء لا يختارون عن طريق الانتخاب ، ولا عن طريق التعيين الوظيفي ، فكم من إمام للأمة لم يعرف منصبا ، كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي قال :" لو كان الكلام في العلم والدين بالولايات و المناصب لكان الخليفة و السلطان أحق بالكلام في العلم والدين ، وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم و الدين ، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدعي ذلك لنفسه ، ولا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقولٍ دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن هو دون السلطان في الولاية أولى بان لا يتعدى طوره .."
تعريف العلماء :ـ
هم الذين لديهم تصور واضح يقيني لصورة الشيء في الذهن ، مما يجعلهم يحيطون به كله إدراكاً وتفسيراً وإرشادا .
هذا إجمال لما قاله الجرجاني عن العلم .
لكن هذا التعريف عامٌ مطلق ،
قد يقال عن أي عالم ، ونحن نريد " العالم الرباني "
قال شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع نقلاً عن ابن حبان التيمي رحمه الله :" العلماء ثلاثة : عالم بالله ليس عالمًا بأمر الله ، و عالم بأمر الله ليس عالمًا بالله ، و عالم بالله وبأمر الله. "
وهذا مدخل جيد للتعريف الذي نريد أن نصل به لمبحثنا هذا بإذن الله :ـ
قوله : عالم بالله ليس عالمًا بأمر الله: أي العالم المتبحر في علوم العقيدة ، أي التوحيد والأسماء و الصفات والإيمان و الكفر .. ، وكلما زاد في هذا العلم كان أعرف الناس بالله تعالى ، فهذا العلم هو أجل العلوم وأساس الدين ، وفيه طريق الوصول لرب العالمين ، فما أسعد من ألم به ولو لم يحط علماً ببقية العلوم ، وما أتعس من جهل به ولو أحاط بكل العلوم علما، ففيه النجاة من الوقوع في مهلكات التأويل الخاطئ وطرائق الزيغ و الضلال و الكلام .. لكنه مع ذلك يفتقر إلى العلم بأمر الله .
وقوله : وعالم بأمر الله ليس عالمًا بالله: أراد العالم بالشرائع والأحكام ، المتبحر في علوم الفقه ، فهو العالم الذي أحاط بكل أوامر الله ونواهيه وما بينهما من مستحب ومكروه ، ويتضمن ذلك الإلمام بمقاصد الشريعة ، وأصول الفقه، وفقه الواقع ، وتنزيل الأحكام ، والقدرة على الاستنباط والاجتهاد. لكنه مع ذلك للأسف يفتقر إلى العلم بالله .