المحبُّ اسمُ محبوبهِ لا يغيبُ عن قلبه، فلو كُلِّف أن ينسى ذِكْرَهُ لَمَا قَدَر، ولو كلفَ أن يكفَّ عن ذكرهِ بلسانهِ لما صبر
كَيْـفَ يَنـسى المُحِـبُ ذِكْرَ حَبِيــبٍ اسمُــــــه فـي فـُؤادِه مَكــتوبُ
كان بلالٌ رضي الله عنه كلَّما عَذَّبهُ المشركون في الرَّمْضاء على التوحيدِ يقولُ : أَحَدٌ أَحَدٌ، فإذا قالوا له : قُل: اللات والعُزَّى، قال : لا أُحْسِنُهُ.
يُــــــرادُ مِنَ القـــلبِ نسيانُكُـــــم وتَأْبَى الطِّباعُ على النَّاقِلِ
كلَّما قويت المعرفةٌ ، صار الذكرُ يجري على لسانِ الذاكرِ من غيرِ كلفةٍ حتى بعضهم كان يجري على لسانهِ في منامهِ الله، الله، ولهذا يلهم أهلُ الجنةِ التسبيحَ، كما يُلهمون النَّفَسَ، و تصيرُ ( لا إلهَ إلا اللهُ) لهم كالماءِ البارد لأهل الدنيا ، كان الثوري ينشد:
لأََني أَنساكَ أُكْثـــــــِرُ ذِكْرا ك و لــــــكنْ بِـــــذاكَ يَجْرِي لِسانِي
إذا سَمِعَ المحبُ ذِكرَ اسم حبيبهِ مِنْ غيره زادَ طَرَبُهُ و تَضَاعَفَ قَلَقُه أما سمعتَ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم لا بنِ مسعودٍ : "اقرأ علي القرآن..... إني أحبُ أن أسمَعَهُ من غيري" فقَرَأَ عليهِ ففاضت عيناه.
إخواني إن أحدَ السبعةِ الذين يُظلهم اللهُ في ظلهِ يومَ لا ظلَ إلا ظله: " رجلٌ ذكرَ الله خالياً ففاضت عيناه"
قال عليٌ رضيَ اللهُ عنه واصفاً صحابةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم.
كانوا إذا ذكروا الله مادُوا كما يميدُ الشجرُ في اليومِ الشديد الريح، وتجري دموعهم على ثيابهم.
وقالَ زهيرٌ البابي: إن للهِ عبادًا ذكروهُ فخرجت نفوسهم إعظاماً واشتياقاً، وقومٌ ذكروه فَوَجِلَتْ قلوبهم فَرَقاً و هَيْبَةً، فلو حُرقوا بالنار، لم يجدوا مَس النار.
صلى أبو يزيدٍ الظهر فلما أراد أن يُكَبر لم يقدر إجلالاً لاسم الله، وارتعدت فَرَائِصُه حتى سُمعت قَعْقَةُ عِظامِه.
كنأبو حفص النيسابوري إذا ذكر الله تغيرت عليه حاله حتى يرى ذلك على جميع من عنده، وذلك من إجلالهِ للهِ سبحانهُ وتعالى
و محمدِ بن واسع قال : ما بقي من الدنيا شيء ألذه، إلا الصلاة في الجماعة ، ولقاء الإخوان
وكان شيخ الإسلام يقول: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا ألذ ما فيها، قيل له وما ألذ ما فيها قال ، ذكر الله.
ومن بابِ رفعِ الهمم إلى القمم أحببتُ أن أكتب عن حال السلف مع ربهم وعن عبادتهم وعن زهدهم و ورعهم و إخلاصهم وما الى ذلك من شمائلهم، وذلك سيكون بذكر العبادة في أعلى المشاركة ثم التدليل على فضلها بدليلٍ أو اثنين ثم الاسهاب في ذكر نماذج من عبادة السلف و أهل العلم المعاصرين لعلنا نلحق بركبهم و نفوز مثلهم، فإلى متى ونحن على حالةٍ واحدة تنزل ولا ترتفع نزداد من المعاصي ونتورع عن النوافل
اللهم ارحمنا
اللهم ارحمنا
اللهم ارحمنا
قيامُ الليل
قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).
وقال عبد الحق الأشبيلي: ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ).
وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
وقال صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال النبي : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام }
قيامُ الليلِ والسلفُ الصالح
1- عن مسلم ابن يسار قال: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل
2- عن عباد قال: ربما زارني عاصم وهو صائم، فيفظر ، فإذا صلى العشاء: تنحى، فصلى؛ فلا يزال يصلي، حتي يطلع الفجر لا يضع جنبه.
3- عن عبد الرحمن بن عجلان قال: بتُ عندَ الربيعِ بن خثيم ذات ليلة، فقام يصلي، فمر بهذه الآية( أم حسب الذين اجترحوا السيئات...) فمكث حتى أصبح ، ماجاوز هذه الآية إلى غيرها، ببكاء شديد
4- عن محمد بن الحسين قال: قام تميم الدراي - رضي الله عنه -بعد أن صلى العشاء بقوله تعالى ( وهم فيها كالحون) فما خرج منها حتى سمع أذان الصبح.
5- وعن محمد بن الحسين قال: سمعتُ سعيد بن جبير يردد هذه الآية حتى يصبح ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون).
6- عن عثمان قال: أدركتُ أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل أن يناموا.
7- وعن عبد الله بن أبي زينب قال: قالت لي أمي يا: بني ما توسد أبوك فراشاً أربعين سنة، قلت أما كان ينام، قالت بلى هجعة خفيفة قبل الفجر.
8- كان طاووس يفرش فراشه ثم يضطجع، ثم يثب فيقول :طير ذكر جنهم نوم العابدين.
9- كان ثابت البناني يقول: ما يوجد شيء ألذ على قلبي من قيام الليل
10- قال مالك : قيام الليل أيسر من خوض النار وشرب الحميم.
11- كان عمر اذا نظر الليل أقبل قال:جاء الليلُ ولليلِ مهابة، واللهُ أحق أن يهاب.
12- كان لمسروق ستر بينه وبين أهله، فإذا جاء الليل أقبل على الصلاة وتركهم وديناهم
13- وعن سلمان العابد قال: كان أبي إذا قام من الليل يتهجد سمعت في الدار جبلةً شديدةً واستقاء للماء كثير: فنرى أن الجن يتيقظون لتهجده ويصلون معه
14- عن محمد بن قيس قال: اذا قام العبد لقيام الليل هبطت عليه الملائكة تستمع لقرائته.
15- قيل للحسن ما بال قوام الليل أحسن الناس وجوهاً ، قال: لأنه خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره نورا.
16- كان حكيم الصاغاني إذا أراد أن يقوم الليل، لبس من أحسن ثيابه وتناول من طيب أهله.
17_وكان تميم الداري إذا أراد أن يقوم الليل دعا بسواكه، ثم دعا بأطيب ثوب له كان لا يلبسه إلا إذا أراد قيام الليل.
18- قيل لعبد الله بن مسعود لا نستطيع قيام الليل فقال: قيدتكم ذنوبكم
19- وعن الحسن قال ان العبد ليذنب الذنب فيحرم قيام الليل.
20- قال بعض السلف إن الملائكة ينظرون إلى قائم الليل كما تنظرون إلى النجوم في السماء.
21-وكان الشيخ ابن باز رحمه الله لايدع قيام الليل حتى في السفر بل حتى ليلة المبيت في مزدلفة.
22- وقال أحدُ طلاب الشيخ محمد المختار الشنقيطي:
ومن أعجبِ قصصهِ في العبادةِ والتبتّل ِ ، ما حدثنيهِ أحدُ طلاّبِ الشيخ ِ أنَّ الشيخَ دعاهم مرّة ً إلى مزرعتهِ في المدينةِ النبويّةِ ، وبعدَ انتهاءِ العشاءِ وخروج ِ الشيخ ِ ، بقيَ بعضُ الإخوةِ في المزرعةِ ، فجاءهم حارسُ المزرعةِ وجلسَ معهم ، وحدّثهم عن الشيخ ِ خبراً عجيباً ، مفادُهُ أنَّ الشيخَ كانَ يأتي المزرعةَ يوميّاً ويُصلي على أرضِها مباشرةً من بعدِ العشاءِ إلى صلاةِ الفجر ِ ، ويبكي ويبتهلُ للهِ ويضرعُ بالدعاءِ ويلهجُ بالثناءِ بينَ يديهِ ، قالَ الحارسُ : وقد رأيتهُ كثيراً يُعفّرُ جبهتهُ بالسجودِ في الترابِ وينشجُ نشيجَ الطفلَ ويبكي للهِ تباركَ وتعالى .
الـــذكـــــــرقال الله تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)
وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )
وقال جل في علاه(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سبق المفردون } قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: { الذاكرون الله كثيراً والذاكرات } رواه مسلم
و في صحيحٍ مسلمٍ عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. رواه مسلم
السلف الصالح والذكر
1- قال الحسن أحب عباد الله إليه أكثرهم له ذكرا وأتقاهم قلبا.
2- قال الربيع بن أنس: علامةُ حب الله كثرةُ ذكره، فإنك لن تحب شيئا إلا أكثرت ذكره.
3- وكان المغيرة بن حكيم إذا هدأت العيون، نزل إلى البحر، وقام في الماء يذكر الله مع دواب البحر.
4- وكان أبو حفص النيسابوري إذا ذكر الله تغيرت عليه حاله حتى يرى ذلك على جميع من عنده، وذلك من إجلالهِ للهِ سبحانهُ وتعالى
5- قيل لمحمد بن النضر: أما تستوحش وحدك؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول : أنا جليس من ذكرني.
6- وعن جعفر قال: إن أهل ذكر الله ليجلسون لذكر الله، و إن عليهم من الآثام كأمثال الجبال؛ وإنهم ليقومون من ذكر الله ما عليهم منها شيء.
7- وقال عون بن عبد الله بن عتبة: الذكر شفاء القلوب، وإن لكل رجل سيداً من عمله، و إن سيد عملي الذكر.
8- وعنه قال: ذكر الله في الغافلين: كالمقاتل عن الفارين؛ والغافل في الذاكرين : كالفار عن المقاتلين.
9- وعن سلمة قال: كان خالد بن معدان، يسبح في اليوم : أربعين ألف تسبيحة، سوى ما يقرأ من القران، ولما مات و وضع على سريره ليغسل، جعل بأصبعة كذا يرحكها(أي يسبح)
10- عن ميمون بن مهران قال: الذكر ذكران:
أ) ذكر لله باللسان.
ب) ذكر الله عند المعصية اذا أشرفت عليها، وهو أفضل من الأول.
11- قال لقمان لأبنه يا بني ، إن مثل أهل الذكر وأهل الغفة كمثل النور والظلمة.
12- عن عبد بن عمير قال: تسبيحةٌ بحمد الله، في صحيفةِ مؤمنٍ يوم القيامة: خيرٌ من أن تسير معهُ الجبالُ ذهبا.
13- عن الباقر قال: الصواعق تصيب المؤمن وغيره ولا تصيب الذاكر.
14- كان الأوزاعي: لا يكلم أحداً بعد صلاةِ الفجر حتى يذكر الله.
15- عن ابن السماك قال: رأيتُ مسعراً في المنام، فقلتُ : ألست قد مت؟ قال: بلى، قال فأي العمل وجدت أنفع قال : ذكر الله.
16- عن ذي النون المصري قال: ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنان إلا برؤيته.
17- عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: لأن أذكر الله تعالى من بكرةٍ حتى الليل، أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله ، من بكرة حتى الليل.
18- عن الأوزاعي قال: ليس ساعة من ساعات الدنيا، إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة، يوما فيوما، وساعة فساعة؛ ولا تمر به ساعة لم يذكر الله تعالى فيها، إلا انقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعةٌ مع ساعة، ويوم مع يوم، وليلة مع ليلة؟
19- وعن ثابت البناي قال: ما أدري بأي يومي أنا أشد فرحاً؟ يوماً باكرت فيه ذكر الله، أو يوماً غدوت فيه لبعض حاجتي، فيعرض لي ذكر الله تعالى.
20- عن الحسن قال: تفقدوا الحلاوة في ثلاث: في الصلاة، وفي القرآن وفي الذكر؛ فإن وجدتموها، فامضوا وأبشروا، فأن لم تجدوها، فاعلم أن بابك مغلق.
21 - ومن المعاصرين أحد الدعاة المشهورين و لن أذكر اسمه لأني أعلم يقيناً كره الشديد لذلك، كان في رحلةٍ دعوية في صيف العام الماضي وخرج معه بعض الشباب الطيب، ومن عجيب ما لفت أنظارهم في الشيخ أن لسانه لا يفتر عن ذكر الله حتى وهو يقود السيارة حتى وهو نائم حتى وهو يمشي في كل أحواله، بل إنهم قطعوا في يومٍ واحدٍ أكثر من 600 كليو، والشيخ من خروجهم من الرياض حتى وصولهم وهو يردد أستغر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم اغفر لي وارحمني