- قد تكون بعض أهداف الباحثين (طبية- علاجية) تقع ضمن الدائرة الوراثية. إنما هذا لا يمنع من الإصابة بالأمراض المعدية مهما كانت المناعة الوراثية جيدة.. فكم من عوامل خارجية طارئة وفيروسات انتقلت، بشكل أو بآخر، الى اجساد صحيحة لم تكن لتشكو من علة... وكم من مرضى بالوراثة أصبحوا اصحاء لسبب أو لآخر..
إن الإنسان خلطة من موروثات ومكتسبات عضوية ومعنوية وفطرية، بدنية وروحية وعقلية.. قابلة للتفاعل والتغيير- سلباً او إيجاباً- من خلال الكثير من العوامل والمؤثرات الخارجية، والتفاعلات الداخلية.
إن القول بإمكان استنساخ إنسان لا يمرض قول مردود من جوانب متعددة إذ الأمراض نفسها غير محدودة ومحددة الاسباب والأنواع.
- قد يُصاب شاب معافى بأمراض نفسية تتحول الى بدنية، بمجرد ان يفقد أحد أبويه أو كلاهما، أو بتعذر زواجه ممن يحب.. فكيف سيكون حال الإنسان المستنسخ من غير أم ولا أب.. ثم هو يدرك أنه إنسان مصنع من عشرات أو مئات الجينات.. إنسان جرى تخليقه وفق هندسة بشرية، ومن خلال أنابيب ومختبرات وخلطات وأنسجة..
- وقد يتماثل للشفاء إنسان يعاني من اليتم إذا التحق بعائلة حانية وجد لديها الراحة والاطمئنان، او عثر على رفيقة درب إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا مرض رعته.
- ثم إن الصحة والمرض، والضحك والبكاء، وكل تضاد، آية كونية من سنة التنوع والتغيير، بدونها تفقد الحياة قيمتها، والألوان جمالها، والنعمة شكرها، والأكلة حلاوتها، إذا يتساوى كل شيء.. {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (سورة الروم: آية/21)
ب- في الأغراض العقيدية:
- وقد يهدف البعض من وراء ذلك الى إثبات مقولة (لا إله والحياة مادة) وأن الانسان قادر على ان يخلق أنساناً مثله، وهكذا.. وضمن هذه الدائرة يعمل الملاحدة والعلمانيون واللادينيون.
- فهل غاب عن هؤلاء ان كل جهودهم لم تخرج عن دائرة التعامل مع جزئية مما خلق الله. وهم خارج هذا الإطار مفلسون {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} (سورة الواقعة: آية/85-95) {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون..} {..ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (سورة المؤمنون: آية/14).
وهنا لا بد من الاشارة الى الإعجاز القرآني الذي يحكي قصة هؤلاء وأمثالهم ممن عملوا ويعملون في دائرة تغيير خلق الله على امتداد التاريخ البشري.. وهو لا يعدو ان يكون إملاءً شيطانياً واضح الدلالة القرآنية والنبوية..
- فمن قوله تعالى: {إن يدعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله وقال لأتخذنّ من عبادك نصيباً مفروضا، ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنّهم فليبتكن آذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً} (سورة النساء: آية/119) .
- بل ان الإعجاز القرآني استقرأ منذ أربعة عشر قرناً المراحل التي سيصل إليها هؤلاء، والمفاسد التي سيحدثونها، فضلاً عن ادعائهم القدرة على الخلق- فيقول الله تعالى:{قل من رب السماوات والأرض، قل الله قل أفتخذتم من دونه اولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، قل هل يستوي الاعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور.. أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فتشابه الخلق عليهم، قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (سورة الرعد: آية/16).
* جاء في تفسير هذه الآية في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب، الذي استعرض شيئاً من بدائع التعبير والتصوير في تلك الآيات كما يلي:{الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار}
...فلما أن صور العلم بالغيض والزيادة في مكونات الأرحام، عقب بأن كل شيء عنده بمقدار. والتناسق واضح بين كلمة مقدار والنقص والزيادة.
والقضية كلها ذات علاقة بإعادة الخلق فيما سبق من ناحية الموضوع. كما أنها من ناحية الشكل والصورة ذات علاقة بما سيأتي بعدها من الماء الذي تسيل به أودية 'بقدرها' في السيولة والتقدير.. كما ان في الغيض والزيادة تلك المقابلة المعهودة في جو السورة على الإطلاق.{عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال} ولفظة 'الكبير' ولفظة 'المتعال' كلتاهما تلقي ظلها في الحس، ولكن يصعب تصوير ذلك الظل بألفاظ أخرى أنه ما من خلق حادث إلا وفيه نقص يصغره وما يُقال عن خلق من خلق الله كبير، أو أمر من الأمور كبير، أو عمل من الأعمال كبير، حتى يتضاءل بمجرد ان يذكر الله.. وكذلك 'المتعال'
.. تراني قلت شيئاً؟ لا ولا أي مفسر آخر للقرآن وقف أمام 'الكبير المتعال'.
* ويقول الإمام النسفي عند هذا المقطع من الآية: {ولامرنهم فليغيرن خلق الله} بفقء عين الحامي وإعفائه عن الركوب أو بالخصاء.
وهو مباح في الحيوان محظور في بني آدم، أو بالوشم أو بنفي الانساب واستلحاقها، أو بتغيير الشيب بالسواد أو بالتحريم والتحليل، أو بالتخنث أو بتبديل فطرة الله التي هي دين الإسلام لقوله {لا تبديل لخلق الله} .
ج- ومن أهداف الهندسة الوراثية والاستنساخ. الوصول الى الخُلد وعدم الموت، وكأن الحياة والموت، والصحة والمرض، إنما تأتي نتيجة التحكم بالخلايا والجينات والكروموزمات.. وكأن الروح لا علاقة لها في هذا الخلق والتخلق على الإطلاق.. }يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا{.
إن نقطة الانطلاق الأساسية لكل هذه التجارب والمحاولات إنما تهدف الى أثبات مقولة (لا إله والحياة مادة) بشكل او بآخر.
وهذه هي نقطة الافتراق الأساسية وزاوية الانعطاف الرئيسية بين المسار (الفطري) والمسار البشري.. والخطاب القرآني يؤكد باستمرار على حتمية النهاية لكل بداية {وان الى ربك المنتهى، وانه هو أضحك وابكى، وأنه هو أمات وأحيا، وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى} (سورة النجم: آية/42-45) .
بل إن الخطاب الرباني المعجز ليشير الى أمثال هذه التجارب العبثية للهروب من الأجل المحتوم.. فيقول جل جلاله:{أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} (سورة الشعراء: آية/128-129).
ظاهرة تغيير خلق الله عبر التاريخ
.. والانسان دأب منذ فجر التاريخ على ان يحدث تغييراً في خلق الله، وإن جاءت النتائج في معظمها سلبية وحجة على اصحابها...
- جرب الانسان (الأقنعة) التي تغير شكل الوجه والبدن..
- وجرب الإنسان الجراحات المختلفة لتغيير المكونات الجنسية..
- جرب الإنسان تغيير ألوان البشر، من تبييض للسواد، وتسمير للبياض، والوشم.
-جرب الإنسان تغيير أشكال والوان الشعر بالاصباغ والشعر المستعار والوصل.
-جرب الانسان تغير اشكال العيون والرموش والحواجب باستعمال (البدائل الاصطناعية) أو التغيير فيها (كنتف الحواجب).