أركان الإسلام تائبة تتطهر وتصلي لربها تخرج من عالم إلى عالم، يمحو الله عنها الخطايا إن شاء فهو العفو الغفور. روى الشيخان عن مولانا عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن تَوَضَّأَ وُضوءه هذا، ثم يُصلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء، غُفِر له ما تقدم من ذنبه". وروى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يتوضأ فيُحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة".
مَا يجعل إفاضة الماء على الأعضاء طهارة ووضوءا هو النية والاقتداء بالشارع في الكيفيات، وما يجعل حركات الصلاة صلاةً مقبولة مشكورة هو إقبال القلب والوجه على الله عز وجل.
من ترك الصلاة فقد أعرض عن ربه عز وجل بوجهه وبقلبه، فخرج بذلك من دائرة الإسلام، وعُدَّ من الكافرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة". في رواية: "بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد. وفي حديث لأحمد وأبي داود والنسائي عن بُريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركُه كفر غير الصلاة، كما روى ذلك الترمذي. ونقل عنهم المنذري الإجماع في كفر من أخرج الصلاة عن وقتها متعمدا.
واختلف العلماء في كفر تارك الصلاة هل هو كفر مِلة أو كفر نعمة. تشديد يزجر به المتهاونون، وتخفيف على من يُخشى عليه اليأس من رحمة الله والإصرار على ترك الصلاة.
دخلنا بالصلاة في صلب الإسلام وأركانه. الإسلام أساس الدين، له أركان خمسة هي هيكل الدين. لا دين لمن خَرِبَ ركن من بيت دينه: "بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان". حديث نبوي متفق عليه من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
عماد بيت الدين الصلاة. أمة الله عرفت ضعفها وافتقارها لربها وعظمة هذا الرب ورحمته بعباده فأقبلت عليه تعبده بقلبها وجوارحها ممتثلة خاضعة. أي سعادة هذه أن يكتشف المخلوق أن له خالقا قريبا سميعا مجيبا!
إنها يقظة قلبية نفيسة تلك التي تمسح عن القلب ما يغطيه من صَدَإِ المعاصي والغفلات والجهل بمعنى الإنسان ومصيره ووجوده. احتلت المصطلحات الفلسفية، والمذاهب الفكرية، والهموم المعاشية، وصخب الحياة اليومية كل بقعة في عقل إنسان العصر الذاهل الغافل. واحة الإيمان في قلبِكِ لو كنتِ تعلمين! أية فرحة يوم ترشد المومنة أختا لها تائهة في صحراء الحياة، منقطعة وسط العلاقات النفاقية الضوضائية، إلى الصلة بالله عز وجل، وإلى شرف الوقوف بين يديْه ومناجاته من قريب!
كان عُتبة الغلامُ رجلا زاهدا معروفاً بوقاره. ذات يوم رأوه يتمايل ويرقص فرِحا. سألوه ما القضية؟ قال: كيف لا أفرح وقد علمت أن لي ربا!
هذه الشياه البشرية التائهة في صحراء حضارة الأشياء، وضجيج الإعلام، وصخب الراقصات على حِراب البؤس وأشواك اللذة البهيمية، المخيبة للآمال، الساقطة بالإنسان عن مستوى إنسانيته، أية فرحة وأية بشارة تحملها المومنات إليهن إن ساعدنهن على قطع مراحل قطع حبال الجاهلية، ثم العقد مع الله والبيعة والتوبة، ثم مقاطعة الحرام، ثم الطهارة، ثم الوقوف بين يدي المولى العزيز الحميد وقفة النادم المنبعث إلى حياة الروح بعد الموت، وإلى خصب الحياة بعد الجدب، وإلى عزة الإسلام والطاعة بعد ذل الكفر والمعصية!
قالت المذهبيات الفلسفية، وقالت الثقافة المادية السائدة، وقال معها الفكر الملحد المنهزم: الصلاة رياضة، والزكاة ضريبة، والصيام صحة، والحج مؤتمر سياسي. أما البائسات في الفقر والجهل وأحياء الصفيح فقد أسكت البؤس، أو يوشك أن يسكت، كل صوت يحن في الأعماق إلى الإسلام حق الإسلام، وإلى الإيمان واستكمال الإيمان.
الصلاة تمسك بيد الشاة التائهة لتقيمها على الطريق: القبلة يُقام إليها وجه الجسم، الكعبة جسمانية مقدسة نمتثل أمر الله عز وجل الذي جعلها وِجهةً مفروضة لجسمانيتنا. أما القلب فوِجهته إلى الله وخشوعه إليه وسكونه. يشترك العقل في الصلاة بتفكره، واللسان بتلاوته، والأعضاء بسكونها وانضباطها، والقلب بانصبابه على باب مولاه، تقواه وأشواقه وخضوعه هي مؤهلاته وشفيعته.
يربى الأطفال على الصلاة ويؤمرون بها لسبع سنين ويضربون عليها لعشر.
أما صبيان الإيمان وصَبِيَّاته من التائبين والتائبات فأمامهم وأمامهن مسافات قلبية، يطويها الله لمن يشاء، لكي تصبح صلاتهم مناجاة كما وصفها الحديث القدسي العظيم. روى مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل -في رواية: نصفها لي ونصفها لعبدي- فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال: "الرحمان الرحيم" قال الله: أثنى علي عبدي. وإذا قال: "مالك يوم الدين" قال الله: مجدني عبدي -وقال مرة: فوض لي عبدي- وإذا قال: "إياك نعبد وإياك نستعين" قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغـضوب عليهم ولا الـضالين" قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سَأل".
تجمع الصلاة المسلمات والمسلمين، فتعطي للجسم قبلة، وللقلب مَحَط أشواق وعبادة، وللوقت نظاما يُخرج المصليات والمصلين من زمن سائب تائه إلى زمَن معالمه أوقات الصلاة. فنهار المصليات والمصلين وليلهم يوم مَحكوم له معنى يتجاوز آليات المعاش الجسمي ووتائره.
وكذلك الزكاة والصوم والحج يكون ميقاتها معالم في سنة المومنات والمومنين.
تنعقد الأخوة بين المومنات والمومنين بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وتكاد الفريضتان لا تذكران في القرآن إلا مقترنتين. أخوة تُنبئ عنها الآية الكريمة: )فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين(.(سورة التوبة، الآية: 11)
المال مالكِ ما دمتِ غافلة عن الله. يوم تتوبين وترجعين إلى ربك واقفَة أمام عظمته، معترفة أنك أمة مربوبة، تدركين ويعلمك القرآن أن الأمة أمته، وأن المال ماله. لك منه مسؤولية الكسب من الحلال، وعليك منه حق هو نصيب أخواتك وإخوانكِ من مال الله. ويتفضل عليك المولى بالجزء الأعظم من هذا المال لتنفقيه في ضرورياتك ونفقاتك. تنفسحين في النفقة على الكماليات فيذهب كل ذلك سُدىً إن كان من حلال في حلال، أو تبذرين في حرام وتمنعين الزكاة فتُكوى بذهبك وفِضتك بعض الجباه العاصية وبعض الجنوب المُخلدة إلى الأرض في شحها.
الزكاة صدقة واجبة لها مقاديرها الشرعية ومواقيتها. والصدقة التطوعية نافلة يقبلها الله بعد الواجبة. ويا ما أعظم كرم المولى الذي خلق ورزق ونسب إليك ماله الذي أعطاكِ، ثم يسألكِ أن تعطي في سبيله، ويتلقى عطاءكِ بيده!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمان بيده، وإن كانت تمرة. فتربو في كف الرحمان حتى تكون أعظم من جبل، كما يُربي أحدُكم فُلُوَّه أو فَصيله". متفق عليه من حديث أبي هريرة.
نومن بما نسب الرحمان إلى نفسه ونسب إليه رسوله من يد وكف وقدم وغير ذلك، دون أن نسأل عن الكيف. ونفهم أن الصدقة من طيب تلقى قبولا منه سبحانه. يربيها وينميها للمنفقة في سبيله والمنفق كما يربي أحدنا الفُلُوّ (وهو المُهر ولد الفرس) أو الفصيل (وهو ولد الناقة).
في السنة الإسلامية فَصٌّ يزين الزمن كما تزين الحُليَّ الجواهرُ النفيسة. إنه شهر رمضان عيد السنة كما هي الجمعة عيد الأسبوع. ولعمر المسلمة فصٌّ هو عام حجها.
شهر رمضان شهر البركات والخيرات والتوبة وتجديد الصلح مع الله وطلب غفرانه وإحسانه وعِتْق رِقابنا من النار. شهر يفطِم الجسمَ عن طبعه من شهوة الطعام، وحاجة الشراب، ولذة الجسد، لتعرف المسلمة الجوع والعطش ولتتعلم ضبط نفسها وإلجامَ هواها. ولتتحكم في أوصافها الحيوانية لتسمُوَ الروح وتتطهر، ولتتدرب المومنة على تغليب الأوصاف الملائكية مستقلة عن جاذبية الطين.
سمو روحي يقترب بالصائمة حق الصيام من الملإ الأعلى. حق الصيام هو كف الجسم عن الماديات الممنوعة شرعا، وكذا الجوارح واللسان عن المعاصي، وشغلها بالعبادة لتضفي على القلب روحانية تنسيه أثقال الأرض ليتعلق بمعاني السماء. عن هذا الصيام الكلي يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهُو لي وأنا أجزي به". الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الحج حركات حسية في أماكن ومبانٍ مقدسة تتعلق بجسمانيتها جسمانيتنا، وبمعناها المقدس الخفيّ عنا معنانا وقلبنا وأشواقنا وروحنا. شعائر وحركات للتعظيم، ياتيها المسلمات والمسلمون من مختلف جهات الشوق، وبقاع الأرض، وألوان الخلق، ودرجات الإيمان. فيفيض الله تعالى رحمته على العباد، ويغفر الذنب، وتَخرج الحاجة المقبولة بيضاء الصفحة جزاء بما أذعنت وأطاعت ورضيت وفرحت بأعمال تقصر الأفهام عن إدراك مغزاها. ويرفعها الامتثال وروح العبودية في الطواف والسعي والوقوف بعرفة إلى الدرجة العليا من القربات.
ويَخْزَى الشيطان أشد الخزي يوم عرفةِ لما يرى من سَعة رحمة الله، كما يخزى لسماع "لبيك اللهم لبيك" استجابة المومنات والمومنين لنداء مولاهم.
عبادة هي من أسمى العبادات تجمع المسلمات والمسلمين على صعيد واحد ليتعارفوا ويتشاوروا، ويشهدوا منافع لهم. شُعْثٌ غُبرٌ تجردوا لله عن حولهم وقوتهم وجاءوه يجأرون إليه بالدعاء والتلبية، والتمسح بكسوة بيته، وتقبيل حجره الأسود المقدس.
الموضوعالأصلي : أركان الإسلام المصدر : مــ ـعهد ســـ ــماء المغرب