إدمان المواقع الإباحية والعزوف عن الزواج إدمان المواقع الإباحية والعزوف عن الزواج /هبة بريس
لا يختلف اثنان على أن المواقع الإباحية أصبحت الآن هدفًا رئيسيًّا لكثير من رواد الإنترنت في العالم، وأن أصحاب هذه التجارة لا يألون جهدًا في تحقيق الانتشار الواسع والممتد، برغم أن الأبحاث أثبتت أن 15% من مرتادي هذه المواقع يقومون بتطوير سلوك يعرقل حياتهم ويسبب لهم مشاكل جنسية ونفسية، وأنها اختزلت مفهوم الحياة في هذا الإطار، وخلقت رؤية مغلوطة جعلت الزائر يدمن هذا النوع الخيالي من العلاقات، ويستغنى به عن الزواج، مما أضعف دور الشريك في الحياة بوجه عام، وخلق حياة زوجية مليئة بالمشكلات وتسيطر عليها ملامح الندم.
أثبتت الأرقام أن المواقع الإباحية تحظى بنسبة دخول عالية جدا من متصفحي النت، فعند البحث عن كلمة (sex) في محركات البحث تظهر لك النتائج التالية:
Google 269.000.000
yahoo 99.500.000
alltheweb 33.547.731
altavista 53.771.876
hotbot 18.812.469
وعلى المستوى العربي قام أحد المراكز البحثية بحصر القوائم العربية الإباحية على شبكة الإنترنت فوجد أنها تصل إلى (171) قائمة، بلغ عدد أعضاء أقل تلك القوائم (3) أعضاء في حين وصل عدد أكثرها إلى (8683) عضوًا، ومن المواقع التي وجد أنها تحتوي على قوائم عربية موقع "جلوب لست"(globlist) فقد احتوى على (6) قوائم إباحية عربية، في حين وصل عدد القوائم العربية على موقع (التوبيكا) إلى خمسة قوائم.
والصفحات الإباحية على الإنترنت يزورها 280.34 زائرًا يوميًّا، وهناك صفحة تستقبل أكثر من 20 ألف زائر يوميًّا، كما أن هناك أكثر من ألفي صفحة تستقبل أكثر من 14.000 زائر في اليوم الواحد، وسنفاجأ حقًّا إذا علمنا أن إحدى هذه الصفحات الإباحية استقبلت خلال عامين فقط 43.613.508 زائرين، كما وجد أن 83.5% من الصور المتداولة في المجموعات البريدية هي صور إباحية.
والسؤال الآن.. هل تسببت المواقع الإباحية بالفعل من خلال هذه الأرقام في تغيير نظرتنا للعلاقات الحميمة؟ هل كنا نراها بشكل معين وتغير هذا الشكل بعد ظهور تلك المواقع على الإنترنت؟ وإن كان حدث فعلا تغيير في نظرتنا، فلماذا نجحت هذه المواقع في تكوين مفهومنا عنها؟ وما هي سلبيات وإيجابيات هذه النظرة الجديدة وانعكاساتها على الواقع المعاش، وكيف نتلاشى أثر هذه السلبيات لنتمكن من الرجوع إلى نقطة البداية؟
على أرض الواقع
يقول ع.ب.ع (اختصاصي اجتماعي 58 سنة) كنا حين أقبلنا على الزواج ينحصر كل تصورنا للجنس – بكل بساطة- في عبارة واحدة: "الحيوانات نفسها تمارس الجنس، إذن فالأمر غاية في البساطة"، وفعلا كان ذلك تصورنا، وأنه لا يستحق كل ذلك العناء ولا ذلك الانشغال، ولكننا كنا بمأمن مما يتعرض له الشباب هذه الأيام، فقد كنا راضين بما نحن فيه ولو وُجد بيننا من لا تعجبه زوجته جنسيًّا كان أقصى ما يفعله أن يأمرها بتعديل ما لا يعجبه، وكانت تنفذ، ولم يكن هناك ما يجعل المسألة تأخذ كل هذه المساحة من حياتنا كما نرى اليوم، فضلا عن أننا كنا نملأ أيامنا باهتمامات مختلفة على رأسها تلبية طلبات أبنائنا وعدم حرمانهم من أي شيء، ويؤكد أنه لم ير أحدًا من أقرانه وفي نفس سنه يُكثر من الحديث في ذلك الأمر إلا واكتشف أنه متابع لمواقع أو قنوات إباحية.
أما "نادر" (مدرس- 28 سنة) فيرى أن المواقع الإباحية هي التي كونت نظرته للجنس ومن قبلها الفضائيات الإباحية، ويؤكد أن الحل الوحيد لاختزال تلك النظرة وذلك الفهم الإلكتروني، هو أن نقف مع أنفسنا ونسأل لماذا يختلف إقبالنا على هذه المواقع عن إقبال الغرب عليها؟
ويحاول "نادر" الإجابة عن التساؤل الذي طرحه من خلال سرده لعلاقته بإحدى الفتيات الأمريكيات التي تعرف عليها على النت قائلا: تعرفت على هذه الفتاة من خلال صفحة للـ(شات الجنسي)، وبعد أن أنهيت معها كل الحوارات عن العلاقة الحميمة سألتني من أنت وما اهتماماتك؟ فتوقفت عن الحوار ولم أدر ماذا أقول لها عن شخص يقضي أكثر من 12 ساعة يوميًّا أمام المواقع الإباحية والفضائيات؟ عندها واجهت نفسي ووجدت حياتي فارغة وعرفت الإجابة عن السؤال وهو أنهم يعرفون من هم أما نحن فلا نعرف، فقررت اللجوء لطبيب نفسي وبرغم ذلك لم أقلع عن المشاهدة حتى الآن.
وتهمس "ن.و" (جامعية – 22 سنة) أنها اكتشفت أن معظم صديقاتها يشاهدن تلك المواقع ويقمن بمحادثات جنسية بشكل يكاد يكون يوميا، ولكنها ترى أن الفتاة في تكوين نظرتها للجنس ترتبط أكثر بالاستماع لمن لهن الخبرة العملية أكثر من ارتباطها بالمواقع، وتؤكد أن تكوين الخبرة من خلال تلك المواقع في مجتمعنا يسبب الأمراض النفسية، وتفضل الاعتماد في ذلك على مصادر علمية لا تعتمد على الإثارة، ومن خلال المراحل الطبيعية المتفقة مع كل سن.
سلبيات بالجملة
وتتفق الرؤى السابقة للتأثير السلبي لهذه المواقع مع رؤية "آلفين كوبر"، باحث اجتماعي، الذي وجد من خلال إقامته ندوات حول علاج الإدمان للجنس الخيالي أن 15% من مرتادي المواقع الإباحية على الإنترنت يقومون بتطوير سلوك جنسيّ يعرقل حياتهم، ويسبب لهم مشاكل جنسية، إما بسبب فرط الاستمناء، أو بسبب الانعزال الجنسي، بحيث يصبح الحاسوب هو الملاذ الآمن لممارسة الجنس الخيالي.
يعلق "د.محمد المهدي" رئيس قسم الطب النفسي بكلية طب دمياط جامعة الأزهر قائلا: قبل مشاهدة تلك المواقع أو أي نافذة إعلامية تقدم المواد الإباحية كان هناك نوعان من التصور عن الجنس: أولهما: نوع غامض بلا ملامح لا يحرص أصحابه على تدعيم الرؤية الذهنية أو التصور الذهني للعلاقة الخاصة، وهذا النوع هو بعيد عن الثقافة الجنسية التي لم تكن تأخذ من تفكير أصحابها وقتًا يُذكر.
ويرى "المهدي" أن بعض الأفراد من هذه الفئة لم يكونوا أصحاب تصور واضح حتى لشكل الأعضاء الجنسية عند كل طرف من الجنسين، أما النوع الثاني فهو تصور ساذج لا يعدو بعض المناظر والتخيلات التي تُثبّت فهمًا واحدًا للعلاقة الجنسية وممارستها، وكلا النوعين وقع في إشكالية غاية في التعقيد بعد مشاهدة المواقع الإباحية، فحينما يصطدم أصحابهما بهذه المواقع وما تقدمه من مواد كاشفة عن مشاهد لم تكن تتجاوز الخيال في عقولهم، مستعينة بذلك بعلوم مختلفة من الصوتيات والضوء والإخراج والتجهيز الحواري والحركي، تغيرت النظرة، واختلف التصور وانتقل إلى تصور تملؤه الإثارة الجياشة، وظن مرتادو هذه المواقع أن هذا هو الجنس وهذه
هي طبيعته الممكنة – بل الوحيدة- التي يجب تطبيقها ممارسةً، في حين أن هذا لا يمت للحقيقة بصلة، فالجنس عند مرتادي هذه المواقع أصبح إجرائيا، أي أن هناك أشياء وخطوات وطقوسا يجب أن تُتخذ من أجل الممارسة، بغض النظر عما إذا كانت هذه الممارسات والطقوس ممكنة أو غير ممكنة، فأصبح لدينا تصور منقوص ومشوه للعملية الجنسية، فالصوت والضوء والإخراج والتدريب كل هذه أشياء توفرت لصناع هذه النوعية من الأفلام يصعب توافرها على أرض الواقع لمن يمارس العلاقة سواء كان تحت مظلة شرعية أو غير شرعية.
كذلك فإن النظرة المكتسبة من خلال المواقع الإباحية تحمل فهمًا مختزلا للحياة، حيث جعلت الجنس هو محور الحياة، ومن أكبر الأدلة على أنها نظرة مستحيلة بل معطلة للحياة أن مرتاد المواقع الإباحية يُضحي بمعظم وقته للمشاهدة في ظل إغراءات علمية مقننة من هذه المواقع، فيخلق هذه الرؤية المغلوطة التي تجعله مستغنيًا بها عن الواقع، بل إنه أحيانًا يفضل الاستمناء أمام الحاسوب على أن يعاشر زوجته، وهذه هي الإثارة المرتبطة بالجهاز، فقد أصبح هذا الرجل لا يُثار إلا من خلال الصورة المدعمة بإضاءة تمثيلية وأصوات معالجة إلكترونيًّا، مما أضعف دور شريك الحياة بشكل عام على المستوى الجنسي.
ويتفق معه في الرأي "د. محمد رشيد" رئيس قسم علم الاجتماع بآداب أسيوط، الذي يرى أن انصراف الشباب عن الزواج من أبرز سلبيات تلك المواقع، وأن هذا الارتباط الشرعي أصبح يتم بغير حماسة، ولكن بيأس اجتماعي ونفسي واضح؛ لأن منهم من يعلم أنه لن يحقق ما يريد من الناحية الجنسية، ومنهم من يظن أن ذلك الواقع الإلكتروني سوف يسقط على واقع حياته بعد الزواج، لكنه يُصدم ويرتد اجتماعيًّا، فسرعان ما يفكر في الطلاق أو يعيش حياة زوجية باردة مليئة بالمشكلات وتكسوها ملامح الندم.
ويؤكد "رشيد" أن النظرة إلى الجنس التي اكتسبها الشباب المرتاد على المواقع الإباحية مرفوضة اجتماعيًّا لكونها حوّلت المرأة في أعينهم إلى مكونات جسدية فقط، فما هي إلا (صدور وأرداف وسيقان) فضاع المعنى الحقيقي لوجود المرأة، وهذا بطبيعة الحال يعرقل الحياة ويُثقل من كاهل الطرف الآخر المشارك بالعملية الجنسية لكونه يسعى إلى إرضاء شريكه بشتى الطرق.
ويشير إلى أن هذا التصور الإلكتروني للجنس كثيرًا ما يصل بصاحبه لدرجة الإدمان، فيتعلق "مركز التعزيز" في المخ بهذه المثيرات على المستويين الحسي والبصري، وهو ما يجعل مرتاد هذه المواقع كلما ابتعد عنها عاد إليها مشتاقًا بل معوّضًا لفترة البُعد، وتصبح المشاهدة عنده أمرًا قهريًّا لا يستطيع مقاومته، وبناء على ذلك تتقلص المساحات الأخرى في الحياة، ولذلك فالاعتماد على المواقع الإباحية في تكوين فهم صحيح للجنس أو نظرة سليمة عنه هو طريق معقد وسلبياته بالجملة.
واقع جديد
أما الدكتور "أحمد عبد الله" مدرس مساعد الطب النفسي جامعة الزقازيق.. فيرى أننا في الأصل نفتقد إلى أي تصور عن العلاقة الحميمة، وليس لدينا من الأصل إدراك لمفردات حياتنا، وبما أن هذه العلاقة هي أحد مفردات الحياة، مثلها مثل الترفيه والاجتماعيات والإنجاز والنجاح، فهي حاجة إنسانية لا غنى للإنسان عنها، ونحن – كمجتمع شرقي- نفتقد أصلا هذه المفردات، وعلى رأسها التصور السليم عن هذه العلاقة، وعلى ذلك فعندما وجدنا أن هذه المواقع تقدم لنا هذا الرافد المهم وبسخاء وبدون أي عوائق، كان من الطبيعي أن تكون هي مصدر تكوين مفهومنا للجنس وممارسته بل موقعه من الحياة.
ويرى "د.عبد الله" أن تصور الجنس محتويًا على أوضاع مثيرة وأساليب جديدة ومقدمات مُشتعلة ليس عيبًا، وحسب رؤيته فإن هذه الأمور لا بد أن نسعى لابتكارها ضمن سياق ضبط وإيجاد واقع حقيقي مناسب لحياتنا، إلا أننا اضطررنا لجلبها من تلك المواقع التي أوقعتنا في إشكالية اختلاف التعاليم والعادات والأعراف.
ومن هنا يؤكد أن نظرتنا للجنس لن تكون سليمة إلا إذا أوجدنا واقعًا صحيًّا سليما يجعلنا نتسق مع أنفسنا، ولن نشعر بحل هذه المشكلة إلا إذا أصبح الشاب يغلق الموقع الإباحي ويتجه إلى عمله، كما يغلق برنامج تلفزيوني اجتماعي، عندها فقط سيكون قد وضع نفسه على الطريق السليم، فلا مهرب من سيطرة هذه المواقع على العقول إلا من خلال بناء
حياة متكاملة؛ لأننا في حكم الموتى بالفعل، وعلى المجتمع أن يقود حملة تدعو إلى تزويج الشباب والبنات في سن مبكرة ولتكن سن الجامعة وبشكل علني، حتى نتجنب كل تلك المشاكل والانحرافات والعُقد والأمراض النفسية التي تتراكم حتى أصبح المجتمع بلا حيلة في مواجهتها.
وينهي حديثه متسائلا: أيهما أهون؟ ما سيترتب على الزواج المبكر؟ أم ما نراه مترتبًا على زيارة تلك المواقع من هدم لقيمة الجنس والإحساس به، وربما الانحراف نحو الشذوذ والتصورات الخاطئة وبالتالي العزوف أصلا عن الزواج أو التعامل معه بيأس؟