تتمة الغير avec simo المقطع الرابع:
المقطع الحجاجي | الأفعال الحجاجية | الروابط المنطقية/اللغوية الدالة عليه | محتوى المقطع |
من:إذا ما ربطتني... إلى آخر النص.. | الأسلوب الشرطي أسلوب الاعتراض أسلوب الاستثناء | إذا ما ... فإنني
لكن...
إلا حين... | إذا لم ينطق الغير بأية كلمة، فإن معرفته ستكون غير ممكنة، وسأعتقد أنه يعيش في عالم آخر مغاير لعالمي. الاعتراض على الحالة السابقة وافتراض حالة أخرى لا يبقى فيها الغير صامتا بل ينطق ببعض الكلمات، في هذه الحالة يكن التواصل ممكنا ولا يبقى عالم الغير قلعة مستعصية عن الاقتحام. استحالة معرفة الغير والتواصل معه هي حالة استثنائية فقط، تحدث في حالة العطالة والانغلاق الكلي على الذات. |
\ والنتيجة الأخيرة التي يفضي إليها النص هي القول بإمكانية التواصل مع الغير عن طريق الاعتراف به كأنا آخر، والعمل على تجاوز المعوقات والحواجز التي تحول بينه وبين الأنا.
سبل معرفة الغير:
إذا كنا قد انتهينا مع ميرلوبنتي إلى أن معرفة الغير ممكنة عن طريق التعاطف معه والاعتراف به كأنا آخر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن النفوذ إلى أعماق الغير وتحقيق معرفة به باعتباره ذاتا تحمل أفكارا ومشاعرا؟
من بين السبل المقترحة لتحقيق معرفة بالغير هناك ما يسمى الاستدلال بالمماثلةRaisonnement par analogie الذي يحقق معرفة غير مباشرة تقوم التعبيرات الجسدية الخارجية فيها بدور الوساطة بين الأنا ومعرفته بالغير. إن هذه المعرفة افتراضية لأنها تقوم على افتراض أن لكل حالة نفسية أو فكرية ما يقابلها من تعبيرات جسدية. كما أنها معرفة تثير مجموعة من الصعوبات يمكن تحديد أهمها كما يلي:
- إن الغير قد يمارس عملية الإخفاء للتستر عن مشاعره وأفكاره، فيبدي من الإيحاءات الجسدية ما يخالف مشاعره الباطنية.
- إن الغير قد يسئ التعبير بأن تصدر عنه، عن طريق الخطأ، تعابير جسدية مخالفة لما يحس به على مستوى الداخل.
- ومن أهم الصعوبات التي تعترض منهج الاستدلال بالمماثلة هو ما اكتشفه التحليل النفسي الفرويدي، من وجود أجزاء كبيرة في الجهاز النفسي يمثلها اللاشعور حيث أن الفرد نفسه لا يعرفها تماما، فكيف به إذن أن يعبر عنها عن طريق الإيحاءات والإشارات الجسدية؟
وأمام هذه الصعوبات لا بد من اقتراح سبيل آخر لمعرفة الغير، ومن بين السبل المقترحة هنا هناك المعرفة المباشرة الكلية التي يقترحها ماكس شيلرMax Scheller حيث يتجاوز النظرة الفلسفية التقليدية للإنسان القائمة على ثنائية النفس والجسد، الذات والموضوع، الظاهر والباطن...، ويذهب إلى اعتبار الغير كليةTotalité ، أي كلا موحدا لا يقبل التجزئة والانقسام، إن حقيقة الغير تبدو مجسدة فيه كما يبدو ويتجلى للأنا، حركات التعبير الجسدية لديه حاملة لمعناها ودلالاتها مباشرة كما تظهر، الباطن يتجلى عبر الظاهر ولا انفصال بينهما.
\ إن اختلاف أساليب الغير ترجع إلى اختلاف طبيعة هذا الغير ذاته، ذلك أن الكيفية التي أدرك بها الصديق ليست هي الكيفية التي أدرك بها الغريب.
- نموذجان للعلاقة بالغير: الصداقة والغرابة
- الغير كصديق:
يمكن اعتبار الصداقة من العلاقات الإيجابية التي تربطنا بالغير حيث يمكن أن تسمو بالأفراد إلى علاقات من الود تصل إلى التآخي والتضحية والإيثار. فما هو أساس الصداقة؟ وما الدافع إليها؟ هل هو دافع المنفعة أم دافع الفضيلة؟
يرى أفلاطون أن الصداقة هي علاقة محبة لا يمكنها أن توجد بين الشبيه وشبيهه، ولا بين الضد وضده. فالطيب لا يكون صديقا للطيب، كما أن الخبيث لا يكون صديقا للخبيث، كما لا يكو الخبيث صديقا للطيب، ولا الطيب صديقا للخبيث. فلكي تكون هناك صداقة بين الأنا والغير لا بد أن تكون الذات في حالة من النقص النسبي الذي يجعلها تسعى إلى تحقيق الكمال مع من هو أفضل، ولو هيمن الشر على الذات، فإنها ستكون في حالة نقص مطلق لا تستطيع معه أن تسمو إلى الخير، ولو كانت الذات في حالة خير مطلق لعاشت نوعا من الاكتفاء الذاتي، فالدافع إلى الصداقة هو الرغبة في تحقيق سمو الذات وكمالها من خلال الغير.
وهكذا فالصداقة، عند أفلاطون، تنشأ بين ما ليس طيبا تماما ولا خبيثا تماما من جهة، وبين الطيب من جهة أخرى، فهي تتأسس على نوع من الشعور بالنقص، وتعبر عن نزوع الأنا إلى الكمال من خلال حاجته الماسة إلى الدخول في علاقة مع الغير.
· نص ص161-162: " الصداقة فضيلة"
إشكال النص:
ما هي الصداقة؟ ما هي أهم أنواعها؟ ما هي الصداقة الحقة؟ هل الصداقة ضرورية في الحياة؟
الإجابة عن الإشكال:
- الصداقة فضيلة( رذيلة)، أي أنها نوع من أنواع الفضائل أو الصفات الخيرة، وهو ما يجعلها مرغوبة في ذاتها.
- يرى أرسطو أن الصداقة ضرورية في الحياة، إذ لا أحد من الناس يرغب في العيش بدون صداقة حتى ولو كان ينعم بجميع الخيرات.
- الأغنياء في نظر أرسطو يحتاجون إلى الأصدقاء من أجل إسداء الخيرات لهم، هذا الفعل الذي يجلب لهم المدح والثناء فيجعلهم يحسون بكيانهم وقيمة مكانتهم الاجتماعية.
- الفقراء يحتاجون أيضا إلى الصداقة، إذ تعتبر ملاذا يلجأون إليه من أجل التخفيف من نوائب الحياة ومشاكل العيش.
- الصديقان كائنان يسيران متحدين، أي أن الصداقة أخذ وعطاء متبادل.
- يرى أرسطو أنه بالصداقة نكون أقوى على التفكير والعمل.
- إن الصداقة، حسب أرسطو، هي تلك الرابطة التي تجمع بين الناس داخل المدينة، والمشرع يهتم بالصداقة أكثر من اهتمامه بالعدالة، ولو سادت الصداقة الحقة في المدينة لم احتاج أهلها إلى العدالة والقوانين أصلا.
- اعتبر أرسطو أن كثرة الأصدقاء هي من المزايا المشرفة، وأن الصديق الحق هو إنسان شريف ولا شك.
- لكن الصداقة على مستوى الواقع تطرح عدة صعوبات تجعلنا نتحدث، مع أرسطو، عن ثلاثة أنواع من الصداقة، صداقة المنفعة، صداقة المتعة وصداقة الفضيلة، ويرى أرسطو أن صداقتي المنفعة والمتعة هما صدقتان زائلتان ومتغيرتان، لذلك فالصداقة الحقة هي صداقة الفضيلة لأنها دائمة وثابتة، وتقوم على حب الخير لذاته أولا وللأصدقاء ثانيا، وقد تحضر المتعة والفائدة في الصداقة الحقة، صداقة الفضيلة، لكن كنتيجتين لا كغايتين.
- الغير كغريب
من هو الغريب على وجه الدقة؟
سنحاول أن نجيب على هذا السؤال من خلال نص لجو ليا كريستيفا:
· نص ص 165 " الغريب"
تميز كريستيفا في هذا النص بين معينين لمفهوم الغريب، المعنى الأول تستبعده وتعتبره سطحيا، والمعنى الثاني تتبناه وتعتبره عميقا ويعبر عن مفهوم الغريب على وجه الدقة، ويمكن التعبير عن ذلك من خلال الجدول التالي:
المعنى الأول للغريب | المعنى الثاني للغريب |
الغريب هو الدخيل/الأجنبي الذي يهدد أمن الجماعة، ويشكل مصدر قلق لها ومهدد لأمنها واستقرارها. الموقف الذي تتخذه الجماعة من الغريب في هذا المعنى الأول، هو موقف الإقصاء والتهميش والنبذ والحقد، باعتباره عدوا يجب القضاء عليه أو على الأقل الحذر منه. الغريب هنا خارجي ما دام أنه لا يشاطر أفراد الجماعة نفس الانتماء الوطني أو العرقي أو الديني. يتخذ الغريب هنا أيضا معنى حقوقيا، فيشير إلى الشخص الذي يقطن بلدا ما ولا يتمتع بحقوق المواطنة داخله | إن الغريب يسكننا على نحو غريب إذن فالغريب ليس خارجيا (أجنبيا) بل داخليا، يسكننا، إنه يوجد فينا. تتجلى الغرابة في كون الإنسان جاهل بذاته، وهويته غامضة بالنسبة إليه. تتجلى الغرابة أيضا في أشكال التصدع والانحلال والنسف الذي يطال النظم الثقافية والروابط الاجتماعية والقيم الأخلاقية مما يؤدي إلى شعور الفرد بالغرابة داخل بلده وبين أهله. يعتبر التمرد والرفض الذي يبديه الإنسان تجاه الروابط الاجتماعية والقيم السائدة داخل جماعته مظهرا من مظاهر الغرابة الحقيقية التي تريد أن تنبهنا إليها كريستيفا في هذا النص. إذا كان الغريب-حسب كريستيفا- يسكننا من الداخل، فيجب أن لا تكون علاقتنا به علاقة عداوة وصراع وإقصاء وعنف، بل يجب أن تكون علاقة وفاق وتسامح وتعايش سلمي. |
\هكذا يتبين مع كريستيفا أن المعنى الحقيقي للغريب هو المعنى الداخلي، الذي يكون معه الغريب قابعا فينا وموجودا داخل ذواتنا. وهذه الفكرة يؤكدها علم النفس الفرويدي من خلال مقولة اللاشعور التي يشير من خلالها فرويد-S. Freud - إلى أن هناك منطقة عميقة في الجهاز النفسي مجهولة حتى من طرف الشخص نفسه، مما يعني أن هناك غريبا لا شعوريا يسكننا من الداخل.
خاتمة:
إن ما يستفاد من المقاربة الفلسفية لمفهوم الغير، هو ضرورة القبول بالغير والاعتراف له بغيريته ومغايرته وحقه في الاختلاف، فالغير لا يعرف بشكل نهائي ولا يمكن اختزاله إلى الأنا. وهذا ما تعبر عنه أطروحة "الغيرية الجذرية" كما نجدها لدى غيوم وبودريار اللذان يريان أن الغير يضع في أساس الأنا مبدأ نقص وعدم كفاية، إذ يشعر بحاجته إلى الغير وإلى ضرورة التواصل معه. وهذا ما يلح عليه كلود ليفي ستراوس، من منظور أنثروبولوجي، حيث أكد على أن التطور الذي عرفته البشرية لم يكن ليحصل إلا في إطار التبادل الثقافي بين الحضارات.
لذلك فأكبر خطر يهدد حضارة من الحضارات بالانقراض أو على الأقل التخلف، هو أن توجد معزولة عن الحضارات الأخرى.