تقديم: من الدلالات إلى الإشكالية.
- الدلالات:
- الدلالة المشتركة:
الغير هو الآخر. الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام. الغير هو المختلف عن الأنا، إما:
- في الوجود - الحسي، مثال: الأسود/الأبيض
- النفسي، مثال:عصبي/هادئ
- في الملكية - المادية، مثال: غني/فقير
- المعنوية، مثال: عالم/جاهل
- في الأفعال: - السلوكية، مثال: الكريم/البخيل
- الإبداعية، مثال: رسام/شاعر
- في القرابة - الغير هو الذي لا يشاطر الأنا في الانتماء إما الطبقي أو الوطني أو الديني...
\ الغير نسبي ومتحول وغير ثابت. معجم لسان العربي لابن منظور: · جاء في هذا المعجم ما يلي: "غير حرف من حروف المعاني، تكون نعتا، وبمعنى لا ... وقيل غير بمعنى سوى، والجمع أغيار. وهي كلمة يوصف بها ويستثنى ... وتغير الشيء عن حاله تحول ... والغير الاسم من التغير... وتغايرت الأشياء اختلفت". · كما جاء فيه ما يلي: "الآخر بمعنى غير كقولك رجل آخر وثوب آخر". الغير - المستثنى - المتغير/المتحول - المخالف/المعارض - المختلف/المتميز - نلاحظ أيضا أنه ليس هناك تمييز بين الغير والآخر، فهما يطلقان على المختلف بوجه عام سواء كان من الناس أو من باقي الأشياء. معجم روبير: · جاء فيه مايلي: "الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام" "الآخر هو من ليس نفس الشخص، وما ليس نفس الشيء... والمتميز... والمختلف". Ã الغير يطلق فقط على الآخر من الناس، وهذا يعني أن الغير هو ذات تتمتع بنفس مقومات الأنا، وهي أساسا: الوعي والحرية والكرامة والمسؤولية. الغير= أنا آخر الآخر هو المختلف بوجه عام سواء كان الناس أو من الأشياء. · معجم أندري لالاند A. Lalande "الغير هو آخر الأنا، منظور إليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر" · ج بول سارترJ.P. Sartre "الغير هو الأخر، الأنا الذي ليس أنا" الغير مخالف للأنا ومشابه له في نفس الوقت
- الغير: هو الآخر البشري
- الآخر: هو الآخر البشري وغير البشري.
- طرح الإشكالية:
هل وجود الغير ضروري بالنسبة لوجود الأنا ووعيه بذاته أم أنه مجرد وجود جائز ومحتمل؟ هل معرفة الغير ممكنة؟ وما السبيل إلى تحقيق تلك المعرفة؟ ماهي طبيعة العلاقة التي يمكن أن تتم بيني وبين الغير؟ حينما نتحدث عن وجود الغير فإن الأمر لايتعلق بوجوده كجسم أي كعضوية حية قابلة للإدراك الحسي، بل إن الأمر يتعلق هنا بوجوده كذات واعية، حرة ومسؤولة.ومن هنا يمكن التساؤل عن علاقة وجود الغير بوجود الأنا، والتي يمكن التعبير عنها كما يلي: هل وجود الغير كذات ضروري لوجود الأنا؟ وهل يمكن للأنا أن يعي ذاته ويحقق وجوده ككيان بشري في غياب وجود الغير؟
- الغير في الفلسفة اليونانية:
هناك غياب لإشكالية الغير في الفلسفة اليونانية، ويمكن أن نرجع هذا الغياب لثلاثة أسباب رئيسية:
- الإطار الذي كان سائدا في الفلسفة اليونانية هو الإطار الفكري الأنطلوجي الذي كان يهتم بمقولة الوجود عامة، والمقولات الخاصة المندرجة تحتها كالصيرورة والثبات، الوحدة والكثرة، الهوية والاختلاف...وهكذا فكل موجود كيفما كان نوعه هو مطابق لذاته(هو هو Le même ) وآخر بالنسبة إلى غيره.
- وعلى هذا الأساس فمقولة الآخر تشمل جميع الموجودات المغايرة من وجهة نظر موجود ما دون تمييز الأخر البشري بمقولة خاصة.
- تم تغييب العلاقة بين إنسان وآخر، أي بين الأنا والغير، لصالح العلاقة بين الذات والعالم، هذا العالم الذي ينظر إليه باعتباره تجسيدا للعقل الموضوعي(اللوغوس) الذي يتعين معرفته والتشبه به.
- لم يعتبر اليونانيون الآخر الذي ينتمي إلى الحضارات الأخرى كأنا أو ذات تتمتع هي الأخرى بصفة الوعي والحرية، ولها نفس الحقوق السياسية والاجتماعية، بل اعتبر الآخر دائما بربريا وهمجيا ودون مرتبة ومستوى الأنا اليوناني.
لهذه الأسباب الثلاث الرئيسية لم تحض إشكالية الغير باهتمام التفكير الفلسفي اليوناني. مع ديكارت سيتبلور بوضوح مفهوم الشخص باعتباره مركز العالم انطلاقا من كونه ذاتا مفكرة يتعين عليها أن تؤسس الحقيقة انطلاقا من نفسها. ومعلوم أن ديكارت وقبل أن يتوصل إلى أية حقيقة، فهو قد بدأ في الشك في كل شيء بما في ذلك وجوده ليتوصل إلى أن هناك حقيقة أولية بسيطة لايطالها الشك وهي "أنه يشك" أي يفكر، وبالتالي فهو يقينا يوجد كذات أو كجوهر مفكر، أما كيف يتم إدراك الذات، فإن ديكارت يجيب أن هذا الإدراك يتم عن طريق حدس عقلي مباشر. إن تأسيس وجود الذات على أساس فعل الوعي الذي هو فعل داخلي ومكتف بذاته يجعل الأنا سجينة عالمها الداخلي، كما يجعلها غير قادرة على إثبات وجود الغير كأنا آخر إلا عن طريق الاستدلال بالمماثلة، أي طريق الافتراض بأنه ذات مثله مثل الأنا انطلاقا من الصفات والخصائص الخارجية التي تتشابه بينهما. وهذا ما يبدو من هذا النص الشهير لديكارت: "أنظر من النافدة فأشاهد بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول إني أرى رجالا يعينهم، مع أنه لا أرى من النافذة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاء لآلات صناعية تحركها لوالب، لكني أحكم بأنهم ناس" ما يمكن ملاحظته هنا هو أن إثبات وجود الغير يتم عن طريق الحكم العقلي الاستدلالي، وهو حكم افتراضي لا يرتقي إلى مستوى الحدس العقلي واليقيني الذي يتم به إثبات وجود الأنا. وهكذا فالنتيجة المنطقية لفلسفة الذات عند ديكارت هو وقوع الأنا في نوع من العزلة والوحدانية التي تجعله ينكفئ على ذاته، ويعيها، ويثبت وجودها إثباتا حدسيا، يقينيا ومباشرا دون أية حاجة إلى وجود الغير. فوجود الغير في فلسفة ديكارت، هو وجود غير ضروري بالنسبة لوجود الأنا ووعيه بذاته، إنه مجرد وجود افتراضي قابل للشك، محتمل وجائز. لكن هل صحيح أن إثبات وجود الذات والوعي بها لا يتم إلا عن طريق الانعزال عن الغير؟ ألا يمكن اعتبار الغير ضروري من أجل تحقيق الوعي بالذات؟ ذلك ما سنحاول التعرف عليه من خلال فلسفة هيجل. · نص ص155. " جدل الأنا والآخر" إشكال النص: كيف تتم عملية إثبات الأنا لذاته؟ وهل يمكن لهذا الإثبات للذات أن يتم في غياب أية علاقة بالآخر؟ مراحل الإجابة عن الإشكال: - الفقرة الأولى: انعزال الوعي وانغماسه في البعد الطبيعي خصائص الوعي في مرحلته الأولى: - وجود بسيط - إقصاء الوعي للآخر - الوعي هو أنا مطابق لذاته - الوعي يعيش وجودا فرديا مباشرا - الوعي يعتبر الغير مجرد موضوع ويفرغه من مقومات الذات، الوعي، الإرادة، الحرية والكرامة... - الوعي يعيش وجودا منعزلا ومستقلا عن الوعي الآخر. - الوعي غارق في الطبيعة ومنغمس في الحياة العضوية. - الوعي هنا في لحظته الأولى متيقن من وجود ذاته وليس متيقنا من وجود الغير - الوعي في هذه المرحلة لم يرتق بعد إلى مستوى الوعي بحقيقته كذات تتمتع بالإرادة والحرية. · كيف يمكن للوعي إذن، أن يرقى إلى مستوى تحقيقه لذاته واكتسابه لحقيقته كإرادة وحرية؟ - الفقرة الثانية: من أجل أن يحقق الوعي ذاته سيكون مجبرا على خوض صراع مع الآخر. والهدف من هذا الصراع هو إثبات الذات والحفاظ على حريتها، وذلك من خلال نزع الاعتراف بالذات من طرف الآخر. إلا أن نزع الاعتراف هذا لايتم بسهولة ما دام ان كلا الوعيين يخاطر بحياته ويسعى إلى موت الآخر. ولكن مع ذلك فهذا الصراع لا ينتهي بالموت الفعلي، بل ينتهي بوجود منتصر ومنهزم: الأول هو وعي من أجل ذاته، والثاني هو وعي من أجل وعي آخر؛ أحدهما سيد والآخر عبد. وعلاقة السيد بالعبد، حسب هيجل، هي أول علاقة اجتماعية نشأت عن صراع بين طرفين انتهى بإبقاء المنتصر على حياة المنهزم لكي يجعل منه عبدا، أي "وعي تابع تقوم ماهيته في الحياة والوجود من أجل الآخر" ما يمكن أن نستنتجه في الأخير هو أن وجود الغير عند هيجل هو وجود ضروري من أجل وجود الأنا ووعيه بذاته، فالغير هنا هو بمثابة المرآة البشرية التي يتعرف من خلالها الأنا على ذاته وعلى مقوماته كذات إنسانية. ونفس الموقف جسده فيما بعد الفيلسوف الفرنسي المعاصر جان بول سارتر في قوله: "الغير هو الوسيط الضروري بين الأنا وذاته" · الإشكال: هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ وما السبيل إلى تحقيق تلك المعرفة؟
- معرفة الغير بين الإمكان والاستحالة.
- أطروحة سارتر استحالة معرفة الغير
· نص ص 156: " معرفة الغير" ينطلق النص من افتراض أساسي هو عبارة عن تعريف للغير يقول فيه سارتر: "الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا"
- واعتمادا على حجة "تحليل لغوية" تتمثل في تأويل وتفسير كلمة "ليس"، يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين الأنا والغير، وهو ما يجعل معرفة بعضهما للبعض غير ممكنة.
- إن إدراك الأنا للغير هو إدراك إمبريقي، أي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، وهو ما يحول دون النفوذ إلى أعماق ذاته وتحصيل معرفة بها.
- واعتمادا على "الحجة بالمماثلة" المتمثلة في تشبيه العلاقة بين الأنا والغير بالعلاقة المكانية الموجودة بين شيئين، ينتهي سارتر إلى أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشييئية ما دام أن كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة.
Éهكذا ينتهي سارتر إلى استنتاج أساسي هو أن العلاقة بين الأنا والغير هي في أساسها علاقة خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل بينهما ما دام يعامل بعضهما البعض كشيء وليس كأنا آخر.
- وفي آخر النص ينتهي سارتر إلى نتيجة اعتبرها ووصفها بأنها خطيرة، وهي: إذا كانت علاقتي بالغير هي علاقة عدمية، خارجية، انفصالية وتشيئيية، فإن حضور الغير أو غيابه لا يؤثر في وجودي.
- كما يشير سارتر في الأخير إلى أن الأنا لايدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على"كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية"، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه.
- وفي نص آخر يقدم سارتر مثال النظرةLe regard : حينما يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه، حتى تتجمد حركاته وأفعاله، وتفقد حريتها وعفويتها وتلقائيتها، ولعل هذا ما دفع سارتر إلى القول: "الجحيم هم الآخرون".
- أطروحة ميرلوبنتي: إمكانية معرفة الغير
نص ص 157: " الغير والتواصل" يحاور ميرلوبنتي في هذا النص الموقف الفلسفي الذي يقول باستحالة معرفة الغير من منطلق النظرة التشييئية القائمة بينه وبين الأنا، ويحاول ميرلوبنتي من خلال تحليله للعناصر الأساسية المؤسسة لهذا الموقف (موقف سارتر بالأساس) العمل على تجاوزه لصالح موقف فلسفي جديد يقول بإمكانية معرفة الغير عن طريق التواصل معه، ومن أجل الوصول إلي هذا الهدف، يسلك ميرلوبنتي في هذا النص مسلكا حجاجيا يمكن أن نتتبع مساره من خلال المقاطع الحجاجية التالية: المقطع الأول: المقطع الحجاجي |
الأفعال الحجاجية |
الروابط المنطقية أو المؤشرات اللغوية الدالة عليه |
محتوى المقطع |
من بداية النص إلى ... نؤكدهما معا. |
أسلوب العرض أسلوب الاعتراض الحجة بالضد |
يقال إن ... غير أننا.... نختار أحدهما ضد الآخر |
إذا كان لا بد من الاختيار بين الأنا والغير، فإن الاختيار يؤكدهما معا، ما دام أنه لا يمكن الحديث عن عملية الاختيار بصدد فرد واحد، فهي تستلزم فردين اثنين على الأقل(بأضدادها تتميز الأشياء). |
المقطع الثاني: المقطع الحجاجي |
الأفعال الحجاجية |
الروابط المنطقية/اللغوية الدالة عليه |
محتوى المقطع |
من: ويقال أيضا...إلى ...نمط من التواصل. |
أسلوب العرض أسلوب الاعتراض أسلوب الاستثناء الحجة بالمثال |
يقال إن ...مرتان( والواقع أن ...(مرتان) غير أن... وإلا إذا ... (3مرات) إلا لكونها... مثال: الحشرة مثال: نظرة الشخص المجهول |
يحلل مبرلوبنتي النظرة التشييئية بين الأنا والغير، والتي ترتكز على مايلي: النظر إلى الغير كموضوع نظرة قائمة على النفي والانسحاب والتقوقع حول الذات. نظرة لا إنسانية تعامل الغير كحشرة. لذلك هي نظرة استثنائية، قائمة على فعل إرادي وقصدي يفهم منه أن التواصل ممكنا ولكننا نمتنع عنه بإرادتنا. |
المقطع الثالث: المقطع الحجاجي |
الأفعال الحجاجية |
الروابط المنطقية/اللغوية الدالة عليه |
محتوى المقطع |
من: إن الحرية... إلى ... لا يعدمه. |
الأسلوب الاستقرائي(الانطلاق من الأجزاء نحو نتيجة كلية).
أسلوب الاعتراض |
إن الحرية....(1) والطبيعة...(2) والأعماق...(3) والوجود ...(4) النتيجة= تعليق التواصل
لكن... |
إن تجاوز الأنا لحريته المشروعة، وتقوقعه حول ذاته المفكرة، واستباحته لأعماق الغير، والتعامل معه كوجود خالي من أية صفة إنسانية يؤدي حتما إلى الحيلولة دون علاقة المودة والعطف بينه وبين الغير، لكن هذا الأمر يؤدي إلى تعليق التواصل دون أن يعدمه. وهذا دليل على إمكانية التواصل مع الغير ومعرفته. |
|